بداية الخدمة كجندي مؤهلات عليا
ترحيل الجنود الى القاهرة
بعد عودتي من الاجازة القصيرة التي أعطاها لنا الضابط بدر رئيس القوة التي عادت بنا من فايد , تم تشكيل قوة جديدة لترحينا الى معسكر الانتقال بالقاهرة . وهناك تجد كل جندي يستنذفك ماديا من نقود أو سجاير أو سندويتشات أو أكل معك لافطارك أو غذائك أو عشائك مع أن المفروض أن يصرف لك هذا الأكل بالمعسكر ولكن أين تجده وأنت لم تعرف كيف ومتى سجلت في الحضور الى المعسكر حتى تضاف للتعيين ولا تعرف متى سينزل طعامك وأين تأخذه ؟!! هذا هو معسكر العزل . تسير فيه الحياة سهلة ميسورة طالما تملك نقودا كافية فأنت مع أحد المساعدين من صف الضباط المتطوعين المختصين بالعزل حتى يأتي مندوب الوحدة الموزع عليها ليأخذك وهو يمكنه أن يؤخر ترحيلك الى وحدتك لمدة شهر أو أكثر
تأتي في الصباح فتلاقي الشتائم التي هي بمثابة الافطار لسبب أو بغير سبب وبعد الطابور تساق لتنتقي ما يعكر صفو المعسكر من القازورات والأوساخ ثم يأتي الظهر فتعطى المساعد أو حتى مجرد عريف بالمعسكر ( الفزيته ) أو العشرة صاغ أو السيجارة أو السندويتش حسب ماتعود أن يأخذ منك فتحصل على تصريح المبيت خارج الثكنات حتى الصباح , والا فالويل لك هذا المساء من أعمال النظافة في دورات المياه وتسوية رمل المعسكر أرض الطابور والخروج مع عربة التعيين لاحضار الأكل وحمل الصناديق الثقيلة من الخبز وخلافه والعودة في منتصف الليل لتنام بما معك من مهمات على الأرض في خيمة العزل ولتكن متأكدا أنك ستفقد بطانية على الأقل من مهماتك أو حذاءا أو حتى المشمع الذي تنام عليه لأنك لم تدفع شيئا لتأخذ تصريح مبيت خارج المعسكر
وعندما يحضر مندوب الوحدة التي توزعت عليها يقابل المساعد المختص بحفظك فان تفاهم معه وأخذ منه ما يرضيه يؤجل ترحيلك عنده في المعسكر الى آخر يوم في مأموريته التي قدم من أجلها والتي غالبا ما تكون لمدة أسبوع أو أكثر وبخاصة اذا كان الترحيل الى ميدان الجبهة , وينادى على الأسماء بعد أن يتجمعوا من اجازاتهم التي منحت بتصاريح من ضباط معسكر العزل بالقاهرة ولو تخلف أحد من الجنود المرحلين تؤجل المأمورية أياما أخرى , نظير مبالغ ندفهعا للمندوب بالاضافة الى ما ندفعه للذي يحافظ على المخالي خاصتنا حتى لاتسرق .ويأتي اليوم المشهود يوم الترحيل للوحدة . ويالتعاسة من كان حظه في مندوب شرير من صنف أفراد معسكر العزل , وغالبا ما يكون كذلك كأنهم درسوا فنون استنذاف ما معك في مدرسة واحدة , والويل والثبور للمرحلين من حمل المخالي ووضعها على الأرض عشرات المرات دون سبب الا النظام والطاعة العسكرية للأوامر
مشينا خلف المندوب نحمل المخالي والسلاح وان اشتكيت له يهيب بك بخبث وشخط ويقول : لسة بدري المسافة طويلة جدا أنتم تعبتم واللا ايه ؟!! ونرد : طبعا يا أفندم تعبنا . ويضحك ويقول : ما أنا عارف . عاوزين ايه مني ؟! نرتاح شوية يا افندم لو سمحت
ويجيب بصلابته العسكرية : لايمكن أنتم عاوزيني آخذ جزاء ؟
ثم يردف ان كان ولا بد اتفقوا كل أربعة أو خمسة واركبوا تاكسيات لغاية المحطة ويركب مع مجموعة على حسابها ويأخذ دخانه من مجموعة ثانية , وأكله من ثالثة وهكذا
وانني لأعجب هل اتفق هؤلاء الصف ضباط على التدخين لأنه على حساب الغير أم هذه مصادفة بحتة ؟
ويطلب من التاكسي الذي يستقله أن يذهب الى منزله ان كان من القاهرة والتي غالبا ما يختار أصحاب هذه المهام منها ثم ينزل أمام منزله ليودع أولاده في الحارة أو الشارع الذي يسكنه وأهله فرحين بمقدمه وخرجوا ليودعوه فهو ذاهب مثلنا الى جبهة المعركة في سيناء ولا يدرون هل سيعود أو متى ؟
ونصل دائما في نهاية اليوم الى الوحدة ليكون الاستقبال أسوأ لأنه لايوجد ضباط وانما صف ضباط أمثاله الذين يستلموننا منه وكأننا قطع جامدة عهدة مع كل منهم . قد نؤمر بأن نقف طوابير عدة مرات من أكثر من شخص في الوحدة لا نعرفه ان كان مسئولا عنا أم لا .؟
قد يكون جنديا أو عريفا قام من نومه متوجها الى دورة المياه ويعلم بقدومنا فيروق له أن يستظرف علينا بأوامر عسكرية أليس هو أقدم منا , بل يمكن أن يكون قد وصل الوحدة قبلنا بأيام قليلة , وياويل من يخالف الأمر , ربما يظل واقفا بمخلاته خارج الخيمة الى الصباح في البرد أو يدور حول الخيمة أو يقف ليسوي رمل المعسكر الى آخر تلك الأعمال التي لا تنتهي
كل هذا يحدث وقد تكون لم تتذوق طعم الأكل من الصباح بينما المندوب الذي سلمنا قد ذهب اللى خيمته ونام من تعب السفر لا يسأل عن راحتك أو كونك جديدا لا تعرف شيئا هنا . صرفت ما معي من النقود ولم يتبق غير خمسة جنيهات فقط من العشرين التي أخذتها من أبي قبل السفر
والآن أنا في معسكر الأبطال بالعريش على الجبهة الحربية في مواجهة حرب مؤكدة بيننا وبين العدو الاسرائيلي .وبدأت مرحلة التصنيف داخل الوحدة , وقد تم تصنيفي على وحدة الأفراد بقيادة اللواء مع قائد المعسكر لأوامر القيادة في طابور الصباح باعتبار تخصصي لغة عربية , وكان صوتي كمدرس يؤهلني لذلك