كلية الضباط الاحتياط
نقل موضوعات مدونتي متنفس ذاتي
اختبارات كلية الضباط الاحتياط
جلسنا في قاطرات كل قاطرة أثني عشر طالبا , ثم بدأ الامتحان الرياضي , ومعه ازداد الصقيع ولف المكان وعقارب الساعة تشير الى التاسعة مساءا وكان التمرين سهلا عبارة عن ثلاث شدات على العقلة في دقيقة , واجتزت الامتحان ثم اعطيت لنا نصف ساعة استعدادا للنوم , وأخذنا نبحث عن الماء لنشرب , ولكنا لم نعثر على قطرة منه في المعسكر كله فجميع الصنابير صامتة لا تنطق ولا تجود بنقطة واحدة
وفجأة انطلق صوت البروجي يدوي في أرجاء الكلية معلنا ( نوبة نوم ) واستسلم الطلبة للأمر وانطرحت كزملائي بملابسي العسكرية وحتى الحذاء لم أستطع خلعه . وكنت قد أخرجت الغطاء من المخلة وأحكمت اغلاقها حسب التعليمات
كان الجوع ينهك قوانا جميعا ولكن التعب المضني وعدم العثور على الماء جعلنا نستسلم للنوم بضيق وضجر بالغين . وبعدها بلحظات مر أحد المعلمين الصارمين وأجبر الجنود على النوم قائلا : القيام سيكون الساعة السادسة صباحا وأطفأ الأنوار الكهربية وأغلق باب العنبر وخرج , فلزمنا الصمت من الارهاق وغلبنا النعاس , فقد كنا كالدمى الصغيرة تحركها أيدي الأطفال المحبون للعب بلا نهاية .وشعرت بقشعريرة البرد تلفحني لما انكشف جزء من جسمي فتكورت تحت الغطاء داعيا الله بأن يلهمني الصحة وأغمضت عيني طاردا أي تفكير من ذهني
وفي تمام السادسة علا صوت البروجي وصفارة المعلمين ترج العنابر للاستيقاظ .وكنت قد قمت قبلها بدقائق على أثر حركة من قيام طالب في العنبر وأخذت الممسحة ( الفوطة) وخرجت أبحث عن ماء , ونزلت بعض القطرات من الصنابير الثلاثة المخصصة للجنود بما يكفي لغسل وجهي وتناول جرعة من الشرب , ثم انطلق البروجي وأنا عائد الى العنبر فحمدت الله وأجبت عن أكثر من عشرين سؤالا من زملائي عن مكان المياه التي غسلت منها وجهي وشربت , وللأسف كانت القطرات قد نفدت وعاد أغلب الطلبة حائرين , وبعد دقائق بسيطة دوت صفارات التجمع للطابور الأول , فاصطف الطلبة بنظام عجيب ينتظرون تنفيذ الأموار وهم يمسحون عيونهم من النوم بأيديهم أثناء السير ونحن نردد ( شمال يمين ) بصوت عال في انتظام .وانتهى طابور التمام أو طابور الميس كما يسمونه في السابعة صباحا فأمرنا بتنظيف أماكن النوم ورشها وترتيب الأسرة , وجمع الأوراق الملقاة حول العنابر وفي الفناء وأعقاب السجائر وكل ما يكدر صفو المكان من أقذار ووضعها في صناديق القمامة .وعلى مقربة منا كانت مدخنة يرتفع منها دخان برائحة الطعام مما جعلنا ننفذ الأوامر بسرعة منتظرين لحظة الافطار , وكانت الساعة الثامنة حيث يجري طابور فردي بأقصى سرعة حتى جلسنا في صالة كبيرة تتسع لألف شخص كل عشرة أفراد على مائدة يواجه بعضهم بعضا ثم صدر أمر بخلع غطاء الرأس ووضعه في مكان على الكتف يسمى ( الاسبليت ) وارتفع صوت المعلم يأمر بالصمت التام , وكنا نكتم الضحات والصراخ في أنفسنا .واحتوت المائدة سبعة أرغفة وكمية من العسل الأسود وكمية من الفاصوليا البيضاء المسلوقة في ماء فقط . لم يشمئز أحد من منظر الأكل وبخاصة منظر أرغفة الخبز , وكانت أوامر الأكل تقضي أن الموجود أمام كل عشرة يقسم بالتساوي في الصواني الفارغة وكان هناك زورق شاي مغطى يقسم هو الآخر على العشرة , ولا يبدأ أحد بالأكل الا بعد النداء: ابتدي ــ ويلتهم كل واحد نصيبه في خمس دقائق ثم يسمع كلمة انتباه فيترك كل شيء ويجلس صامتا بدون أية حركة حتى ولو كانت اللقمة تتجه الى فمه أو لم تنته منه
ونفذت الأوامر وأنا أكاد أصرخ أين الماء ؟!! ودمعة تترقرق في عيني من الضحكة المكتومة . وقمنا ثم أمرنا بالجلوس ثم قمنا ووقفنا خارج المطعم , وأعطيت لنا خمس دقائق للشرب وتفرقنا خلالها على الصنابير هنا وهناك وكانت المياه قد بدأت تنساب متقطعة منها وارتوينا وكانت الساعة قد وصلت الثامنة والربع والشمس ترتفع في السماء
ثم توجهنا الى مكان الامتحان الرياضي بالأمس حيث جلسنا في قاطرات كما نودي على أسمائنا وتوالت التمارين الرياضية العنيفة المرهقة من ضغط الجسم على الأرض الى القفز الى تبديل الحركة لأعصاب البطن الى الجري , واستغرق ذلك ثلاث ساعات ونصف , وفجأة سقط زميلي عبد الرءوف من الاجهاد واجتمع حوله عدد من الأطباء من الطلبة المجندين , وأمرنا أن يترك نائما تحت الشمس , واستكملت الامتحانات الرياضية , ثم حملناه معنا الى العنبر في فترة الراحة القصيرة التي نلناها .ثم جمعنا لطابور الغذاء وتكرر لنا ما حدث في الافطار حتى في أنواع الأطعمة ماعدا الشاي
ثم أخذنا فترة للنوم ساعة