احداث صيف

نقل موضوعات من مدونتي ( متنفس ذاتي )


أحداث صيف

جاء عيد الأضحى هذا العام وسط أحداث مثيرة في علاقتنا مع العدو الاسرائيلي , ولا أنس الحديث عن شقيقي حماده الذي تنقل في الآونة الأخيرة أكثر من مرة على خط الجبهة وكنا ننتظره حتى قرب العيد دون أن يحضر أو يبلغنا , وسافرت مع أخوتي الى البلد لأجد توترا في العلاقة بين والدي وعمي , وخففت مع أخي حلمي من هذا التوتر حيث أجبنا دعوة عمي لتناول الغذاء عنده وأقبل العيد وحضر حماده فزادت الفرحة ومررت على بعض الأقارب والأصدقاء للتعييد وذهبت مع والدي الى خاله المريض في صفط العنب مركز كوم حمادة وقابلت هناك كثيرا من المعارف والرفاق ولم ألبث غير ثلاث ليل بعد العيد وودعت الجميع وسافرت الى عملي بكفر الدوار وأكملت المعايدة على بقية الزملاء وقضيت ليلة وحيدا بالشقة وثارت فيها ذكرياتي عن حياتي بالقاهرة فقررت فجأة السفر صباح السبت 21\2\1970 الى القاهرة وكم كانت سعادتي البالغة بلقاء أحبابي الذين اشتقت اليهم وقضيت بينهم أسعد أيام حياتي , ومكثت يومين رائعين استعدت فيهما نشاطي وأمنياتي وآمالي الكبيرة وحضرت ممتلئا بالأفكار من هذه الرحلة لأخبر أخي حلمي الذي دهش من قولي
وأقبلت أيام الملاحظة وانتدابات الامتحانات المرهقة وكانت بدمنهور هذا العام حيث تخف حدة المواصلات للقرى قليلا وليست بمدارس خاصة بل بمدرسة بنات متفوقة تقل فيها حالات الغش المعتادة , وقضيت تلك الأيام أسافر بين كفر الدوار وقريتنا بالدلنجات وفي ساعات الارهاق الشديدة كنت أمكث بدمنهور مع زميل لي مدرس رياضة هو الاستاذ أحمد اسماعيل , وترددت على بعض أقاربي بدمنهور لزيارتهم وأحسست بشعور غريب في نهاية التصحيح ضيق يتزايد وقلق نفسي جعلني أقضي معظم الليل في سهر متواصل حتى تعبت عيناي واضطررت للكشف عليها عند أحد الأطباء الذي قرر لي ضرورة عمل نظارة طبية
ولا أذكر أحداثا ذات قيمة مرت أثناء الدراسة سوى ازدياد صداقتي بزملائي وبفادية مدرسة العلوم التي كانت تبثني شكواها من زوجها أحيانا وببعض الأصدقاء بكفر الدوار وكانت الحالة النقدية متيسرة تماما

وعلى كل حال فقد زال الضيق قليلا بنجاح اخوتي وبعض الأحباب الذين يهمني أمرهم وجاء دور استقامتي فترة للراحة بالقرية لأزيل ما يرهقني من أفكار بين أحضان أمي الحبيبة فكم أشعر معها بالسعادة وأحس أن نهرا عذبا من الحنان أصطاف على شاطئيه الممتدين بالرقة والصفاء يضماني بين أحضانهما وان كنت لاأحكي لها عما يشغلني لكن قربها مني دونه أي قرب آخر ومع عمتي الآنسة فاطمة وذكرياتها الطويلة العميقة وتخيلاتها العريضة لها ولي وقد شعرت بثقة فيها هذا العام جعلها جديرة بأن بأن تسمع مني وأسمع منها ما يكشف صفاء قلبها وأكاد أرتاب في نفسي العنيدة كيف تجرأت وأفضت بهذه الأسرار لها وهي صغيرة التفكير ومن السهل أن تفيض بما في قلبها لأي انسان وهل بعد ما بيننا من علاقات قوية يكون هناك أسرار عن الجنس والزواج
كانت أحضان أمي وذكرياتي مع فاطمة وحديثي معها يخففان عني كثيرا


وقبيل مغادرتي دمنهور فاجأتنا مشكلة كنت أحسب لها كل حساب منذ أن رجعت من الصعيد سنة1967 حين علمت بأخبارها السيئة والخاطئة والتي اتخذت دون استشارة أحد ولا أحسب لها سببا الا قيمة حلمي الغالية عند الأسرة ومدى حرصهم وخوفهم عليه دوننا من دخول الجيش , وكانت نظرتي لهذا الموضوع تختلف كل الاختلاف عن نظرتهم ومعارضتي الشديدة ليس وقتها الآن ( فقد وقعت الطوبة في المعطوبة ) كما يقولون وتم كل شيء ولا يمكن الحديث كثيرا نظرا لحساسية المشكلة وخطورتها , ولكني كنت متيقنا أن لكل نار رماد تثيرها الريح اذا ما خمدت تلك النار فتهب في الفضاء لتصنع قذى في العيون . ولهذه الآونة حسبت حسابي وانطفأت النار وثار رمادها بظهور هذا الموضوع غير أني كما يقولون محسوب دائما ( في وش المدفع .) وبدأت أشعر أن احساسي بالضيق والقلق كان مبعثه أمثال هذه الورطة التي تورط فيها والدي وحلمي والأسرة
ولا يدور في ذهني الآن أبدا حرصي على النقود , يمكن لي أن أتحمل الأمرين وألوانا من الارهاق المضني في سبيل توفيرها وسط هذه الأسرة التي تحب واقعها ولا تنظر الى مستقبل أفرادها ومن العبث الشديد أن يتشكك أحد في أن مثل هذه الأفكار تراودني في أتفه جنيهات يقضي بها الانسان آمالا تحطم الندم الذي ارتكبته يداه . والأيام كفيلة بتحصيل ثمرة هذه النقود مادام الصبر والكتمان والرضا وعدم التفكير متوفرا للانسان وهاأنذا أستعين بهذه الصفات كلها عسى أن أنال جزاءا من الله فالانسان لاينتظر ربحا مجزيا من وراء أخيه الانسان لكن الجزاء الأوفى يكون من الله
خطابان يجددان انشراح النفس والصدر وهدوءالبال بعد ثورة عارمة ليس مبعثها الا التسرع والخطأ وثرثرة اللسان , يأتي كل منها في موعده المحدد ليزيل غمة كبيرة ويعيد ذكريات كثيرة ويفتح أبوابا وآمالا عريضة :أما الخطاب الأول فمن القاهرة وجاءني ردا على رسالة بعثت بها أستفسر عن أحوال خالي الأستاذ محمد نوحي وأسرته وعبلة وتوقعاتها لنتيجة الثانوية العامة لها وكان خطابا عاديا ليس به ما يدعو للتفكير في أعماقه لكنه برغم ذلك أثر في تحسين حالتي النفسية وأخرجها قليلا من ظلمتها القاتمة
ووصلني الخطاب الثاني من كفر الدوار وكان مليئا بكل المعاني السارة والمفرحة ولم أحاول الرد على كليهما فقد اقترب موعد سفري للرد شخصيا بزيارة للقاهرة وانجاز بعض أعمالي بكفرالدوار , ولا شك أن اللقاءات حتى ولو كانت قصيرة هي أعظم كثيرا من أية رسالة مطولة ففي اللقاء تكفي نظرة واحدة للرد على عشرات الرسائل وربما لمسة بين الأيدي وهي تصافح الأحباب بعد فراق طويل أو قصير تريح النفس وتجيب على تساؤلات عديدة في خطابات أكثر طولا وكلمات لا حصر لها ,وتشتد اللأزمة النفسية بعد عودتي من كفر الدوار وانجاز بعض الأعمال بالمدرسة والتي كنت أتمنى أن تطول الأعمال لأنسى فيها كل الهموم
ماكادت اجازة الصيف توشك أن تنتهي حتى دهمتنا أحداث أخرى جسام متتالية , كانت واحدة منها كافية للقضاء على الانسان المرهف الحس والمتوقد العاطفة تجاه المخلصين من الاخوة في الانسانية , حزمنا أمتعتنا وسافرنا أنا واخوتي الى كفر الدوار نستقبل العام الدراسي 1970\1971 وكان مبتداه في 26سبتمبر 70 وكانت بداية ثقيلة تمر ببطء وينتابني شعور بضيق جديد لما كنا نعانيه في تلك الظروف من الحصار الشديد الذي يلتف حول أخي حلمي


لدخول الجيش , وتوقعت أن كل مسعى غير شرعي سيفشل في ايمان قوي .ولكن اذا صرحت بذلك وكم كنت صريحا لاأخشى احدا رأيت أثر الغضب في وجه أخي الذي يظن أني أتمنى دخوله الجيش فأسكت , وجاءت صدمة مصر في وفاة زعيمها جمال عبد الناصر بل فجيعة الأمة العربية كلها في يوم الاسراء والمعراج 27 رجب سنة 1390 هجرية و28 سبتمبر 1970ميلادية . واعلن الحداد الرسمي في الجمهورية العربية المتحدة لمدة أربعين يوما , وتعطلت الهيئات والمصالح الحكومية والمدارس وظلت الاذاعة تبث ارسالها بترتيل القرآن الكريم ليلا ونهارا , وعم الحزن والأسى ملايين النفوس فلم يكن جمال لوطنه بل كان لأمته وللانسانية كلها قائدا وزعيما , وتوافدت الوف الوفود الرسمية من جميع بلاد العالم ومئات الزعماء والرؤساء والملوك لتودع البطل الفقيد الذي جاد بانفاسه بعد أن حقق للعرب وقف النزيف الدامي في الأردن بين قوات الفدائيين والجيش الأردني والذي راح ضحيته ما يقرب من عشرين ألفا من العرب وأثناء وداعه للرؤساء في المطار ومع آخر زعيم وهو الأمير الصباح سالم الصباح حاكم الكويت شعر الرئيس بنوبة قلبية حادة وحملته عربته الخاصة من المطار الى منزله واستدعي الأطباء ولكن القدر كان قد نطق بحكم الله في الساعة السادسة والربع مساء يوم الاثنين 28\9\1970 . وشيعت جنازته في أول اكتوبر 1970 يوم الخميس . وكان أعظم وداع لزعيم شهده العالم منذ مئات السنين
وعدنا للعمل صباح السبت 3أكتوبر وكانا حزن عميق , ومرت أيام قليلة تلاها صدمة شخصية لنا في الأسرة حيث جند أخي حلمي في 18\10\1970 وباءت المحاولات بالفشل كما توقعت من قبل , وسافرت الى دمنهور لتحسين الوضع بالنسبة له نوعا ما وكنت يومها قد أصبت بنوبة برد شديدة , ولم نحقق أية نتيجة , وعدت ليلا واجتمعت مع اخوتي بالشقة بعد أن سافر أخي وزوجته ليتركها بالقرية عند والدتي ولقد كانت ظروفا سيئة تعم الأسرة لهذا الحدث وخاصة لدى والدتي ووالدي , وتغيبت عن العمل أربعة أيام بسبب الأنفلونزا البغيضة والحزن الذي سيطر على الأسرة كلها , وقدمت عنهم اجازة مرضية , وتدهورت صحتي بسبب الفراغ الذي خلفه دخول أخي الجيش وبالمسئولية التي ألقيت على عاتقي , وكذلك تضايق أخي حماده بعد معرفته بالنبأ عندما عاد في أجازة من وحدته
ولم أتعد فترة النقاهة حتى داهني التهاب كبدي ( الصفراء ) في يوم 10\11\1970 ولزمت الفراش وتردد الطبيب على لعلاجي وامتنعت عن اخبار الأهل بالبلد , ولكن بعد أن ازدادت حالتي سوءا أرسلت أختي مشيرة رسالة الى والدي لتخبره فجاء على عجل وكنت كالهيكل العظمي على الفراش وامتلأ جسمي بآثار الحقن التي كنت آخذها . وأثناء زيارة والدي لي بكفر الدوار اذا بخبر وفاة ابن خاله توفيق محمد البياع يوم الجمعة 13\11\70 وكان الوجه الضاحك البسام المليء بالأمل وباعث البسمة على الشفاة والفرحة في القلب عند الشعور بالضيق , ويتركني والدي بعد سويعات قضاها معي وأنا في حالة شديدة من المرض ولكني كنت قد شعرت بالراحة بعد زيارته , وأخرج وأنا مريض بعد تأكدي من خبر وفاة قريبنا فأصاب بنكسة قوية بعودة المرض بقسوة , وظللت طريح الفراش حتى أقبلت اجازة عيد الفطر المبارك فتحسنت قليلا باقتراب عودتي للأهل بالبلد وسافرنا لقضاء أجازة العيد وأخنا عربة خاصة للقرية ورزق أخي حلمي بمولودة أسماها سحر , وأبلغت الصحة بتاريخ ميلادها 2\12\1970 وبعدها عدنا كالمعتاد الى كفر الدوار لنواصل الجهاد والعمل وكنت ما أزال باجازة مرضية انتهت في 6\12\70 وكانت تنتابني حالات من القيء الشديد والمغص وتراخي الأعصاب والهبوط في الدورة الدموية والدوار وألوان من الآلام الفظيعة . وتسلمت العمل بعد الاجازة في 7\12 مع استمراري في حالة من التعب والمرض فكان المطلوب أعمل بهدوء وراحة بقدر حتى لايعاودني المرض من جديد . وأرسلت بعض المعايدات ردا على معايدات وصلتني وأخرى لبعض الأصدقاء أنتظر ردها وكانت ترفع من روحي المعنوية قليلا كلما تسلمت ردا عليها
ونوى والدي الحج مع والدته ستي ( صديقة ) وطلب مني بعض النقود لمرافقتها بعد أن خرج اسمها في القرعة , وفعلا أعطيته مبلغا كنت قد ادخرته من الدروس الخصوصية وبعض المرتب , ولم يكن بامكاني الذهاب لوداعهم فالعمل بالمدرسة كان على أشده , وعزمت على استقبالهما عند عودتهما بالسلامة من الحج . ان شاء الله
عجيب أن يتخذ الانسان قرارا نهائيا في أمر يتعلق بمستقبله قبل أن يفكر كثيرا حتى لايندم على خطأ التسرع الذي ينتج عن تهوره , كما وصفته احدى صديقاتي المقربين , وان كان نوع من اتخاذ القرار لايبنغي الابطاء به واظهار شعور الشخص تجاهه وهو الحكم على الجمال والتعبير بالاعجاب فهذا يزيدك حبا له ويربط بينك وبين الجميل بوشائج قوية , عبرت عن اعجابي بجمال قوام ممشوق وجدائل شعر ليلية لسمراء مصرية باسمة فكان حبها لي ازدياد قرب وأمل في الحديث عن مابعد الاعجاب . وان كنت أعتبر هذا الاعجاب ليس شخصيا لفتاة بذاتها بل هو حكم عام على الجنس الذي له تلك الصفات وكم هن كثيرات وكلهن جميلات , لكن مواجهة واحدة منهن وتقبل الاعجاب يختلف عند كل واحدة بطريقة لاتكون مثل الجميلة المشابهة لها , قد يكون توطيد صداقة بريئة عند زميلة , وحب جارف من أخرى , مما جعل بعضهن تأخذ رأيي فيما يتعلق بما يجعلها أكثر جمالا لدى الشاب والمقصود لدي بالطبع , وقد تكون الكلمات فيها مجاملة ورقة احساس وقد تكون نابعة من رغبتي في كيف تكون من أحب في صراحة ووضوح
وقد تكون الأفكار الصريحة الواضحة مثار خوف أو شك من المستقبل عند من حكمت بنقصها عنده وتوقع المرء في مضايقات ومتاعب
خذ مثلا لذلك : وصفت بعض المعاملات الشخصية لبعض الزملاء بأنها طريقة من طرق النصب والاحتيال لتحقيق أغراض خاصة . وكان تهوري في اظهار ما أحس به من الحقيقة من وجهة نظري دافعا لثورة عنيفة ضدي من مجموعة من الزملاء حتى المؤيدين منهم للحقيقة
من هنا لابد أن تكون للصراحة حدود مستورة فيها بعض المجاملات غير الحقيقية , وان فعلت ذلك وهو سهل أوصف من أقرب الناس الي بأني انسان غامض وربما يشك في تصرفاتي معهم أو يخفي عني أشياء كثيرة مما أود معرفتها عن حقيقة العلاقات الانسانية والحياة من حولي
انني في دوامة من الحيرة مالتردد لاأكاد افضي لنسان بمحتويات قلبي أو بأسرار فكري حتى تزداد الكلمات ويضاف الى الأفكار الكثير والكثير مما لم أقله أو أقصده فتصبح وكأنها صدرت من انسان غيري تماما
لذلك أرى أنه لايحق للمرء أن يفيض بخواطره الا لقلمه وعلى صفحات مذكراته يدعهما بمستنداته في شريط ذكرياته بصراحة ونقاء ولمن يشاء بعد ذلك أن يصدق أو لايصدق ماكتب فيها عن النفس وأسرارها وذكرياتها

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )