انتهاء فترة التجنيد

فصل من مدونتي متنفس ذاتي

في ضجيج شوارع القاهرة المزدحمة اختلط كل شيء , وذهبنا الى ميدان العتبة وسوق الأزبكية , واشترينا بعض الهدايا ثم توجهنا الى فندق رمسيس بميدان المحطة وجلسنا في العاشرة مساءا نطل من الشرفة الى المارة في الميدان والى عربات الترام والسيارات تندفع في كل اتجاه حتى شملتنا برودة الجو , فتركنا الشرفة وتمددنا كل على سريره نتسامر حتى الساعة الثانية صباحا
نمت ومر علي شريط من الأحلام السعيدة , حتى عادت أصوات العربات تملأ الميدان الفسيح , انها كأصوات العصافير التي تبدا نهارها مبكرا لتسعى على أرزاقها كما عرفناها في الريف .قمت وغسلت وجهي وارتديت ملابسي أنا وزميلي وخرجنا متوجهين الى المحطة وهناك ودعته وركبت قطار السابعة صباحا خط المناشي المتجه الى كوم حمادة , ووصلت في التاسعة والنصف ثم الى البلد بعد ساعة تقريبا , واسترحت فترة ثم خرجت وسافرت الى كفر الدوار لأستعد للسفر الى عملي بقنا في نفس اليوم
وكانت مفاجأة مذهلة لم يتوقعها أحد , فما زالت حرب الاستنزاف قائمة بيننا وبين العدو الاسرايئلي , وشك الكثير من الأهل والأصحاب في نبأ خروجي من الجيش فمن كان مجندا قبلي لم يخرج من الخدمة
أخذت من القاهرة قطار الحادية عشرة مساءا الى قنا , وكنت أشعر بتعب كبير يكاد يرغمني على الصراخ , واستسلمت لهزات القطار العنيفة وللزحام الشديد , ولبرودة الجو , وهدأ الركاب من حولي كلما مرت ساعات الليل الطويلة والقطار يقطع مئات الكيلو مترات , وكنت أستغرب لمن ينعم بالنوم العميق واصدار أصوات الشخير العالية وسط جلبة عجلات القطار وحركة الركاب والبائعين وثرثرة المستيقظين وربما الخناقات بين الواقفين والقاعدين منهم , وكنا كمن يعيش في سوق غريب فيه مختلف البضائع والنوعيات من البشر
جاوزت الساعة الرابعة صباحا ونظرت من النافذة على ضوء مصابيح باهتة لأحد المحطات التي توقف بها القطار فلمحت معالم محطة سوهاج . فانتعشت قليلا فقد اقترب وصولي بعد ساعتين تقريبا . واستضافت عربتنا ركاب جددا من سوهاج فزادوا زحامها ويبعثون الضوضاء بين النائمين والمستيقظين ثم مر الكمساري وطلب التذاكر , وتناومت حتى لاأكلف نفسي عناء استخراج التذكرة للمرة الخامسة أو السادسة على الأقل منذ خروجي من الاسكندرية , ولكن ما أجهل هؤلاء الذين يعملون بالقطار فذاكرتهم ضعيفة لدرجة أنهم لايميزون بين من صعد من سوهاج ومن ركب من الاسكندرية أو القاهرة ,ووقف ذو البدلة الخضراء يرسل شعاع بطاريته العنيد ليداعب جفوني المتراقصة أمام الضوء وأخذ ينقر على حافة الكرسي وينادي تذاكر ياحضرة , وألح في رؤية التذكرة وأفهمته أنني معه من أول الخط فقال : أتأكد بنفسي لو سمحت
فأخرجت التذكرة في ضيق وتبرم رغم أن ذلك من حقه ودفعتها نحو وجهه ولم أتركها من يدي فتركني وتابع مروره وايقاظ النائمين من الركاب , وهذا يزجره وذاك لايرد عليه وثالث يضاحكه حتى انتهى من عربتنا , وكنا نمر ساعتها بمحطة أبو تشت .مقر عملي لكني كنت متوجها الى المديرية بقنا لاستلام العمل بعد التجنيد , وتمهل القطار ونحن نقترب من نجع حمادي ليمر على القناطر الشهيرة عند منحنى النيل ولابد أن صوت عجلات القطار وهي تعبر فوق القناطر قد أيقظت جميع الركاب حتى ركاب الدرجة الأولى , وتخللت النوافذ خيوط ضوء الصباح الأولى وأرسلت الشمس أشعتها الصفراء الذهبية من النوافذ المفتوحة حيث استدار قرص الشمس وبدأ ينشر نوره على الدنيا
وخطوت على رصيف قنا والساعة تشير الى السادسة والثلث واتجهت الى أحد المطاعم لأتناول أفطاري وأجلس على كازينو الجبلاوي المعروف بقنا حتى موعد فتح مديرية التربية والتعليم القريبة منه في الثامنة صباحا

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )