عَــوْدٌ عَــلى بَــدْء ( في الصعيد )
2/9/1966
مع بدء شهر
سبتمبر يشتد زحام القطارات وهي تسارع في إخلاء الإسكندرية من روادها لتنقلهم إلى
مواطن أعمالهم وسكنهم الأصلي
ومن تلك
القطارات أخذت قطار ( الديزل ) الذي يغادر عروس البحر
في الساعة
التاسعة والثلث صباحا ليصل القاهرة تمام الساعة الثانية عشرة ظهرا ، وكان اليوم
خميسا ، والجو حارا ، وبمجرد أن أودعت حقائبي بأمانات محطة القاهرة توجهت للميدان
الفسيح عند أقدام رمسيس وتأملت الحركة التي يضجُّ بها الميدان وكنت وسط مجموعة من
السيارات المرصوصة هناك ، في ركن الميدان تحت عمارة رمسيس الضخمة .
سرح بي
الخيال إلى ضجيج الشاطيء بالإسكندرية وقد تركتها منذ ساعات ، فانطلقت مني تنهيدة
طويلة تمنيت لو امتدت الإجازة حتى نهاية سبتمبر ، لأنني أضيق بحرارة الجو في
القاهرة وقد عشتها مدة دراستي فيها ، بينما كنت سأنعم بهواء الإسكندرية لو مكثت
فيها بقية الشهر ، لكنها أقدار وسعي وأحوال الحياة التي تحول دون تحقيق كثير من
الأمنيات .
قضيت لحظات
قصيرة عند بعض المعارف والأصدقاء بالإسكندرية
وبقيت في
ذاكرتي أسمعها في أذني تلك الضحكات البريئة من سهير كيلاني ، وهي تسمع حكاياتي في
الصعيد .... آه من الصعيد الذي لم تره من قبل ، ياله من انتقال مفاجيء ، وإذا كانت
القاهرة تحت رزاز مياه أقدام رمسيس المندفع في الميدان تخفف اقتراب الشمس بحرارتها
من الرؤوس وقسوة الحر مع حمل الصيف متاعه في سبتمبر للرحيل مبشرا بقدوم الربيع إلا
أن قسوة الشمس باقية ، فما بالك بحال الصعيد الآن والشمس قابعة هناك لوقت طويل
حظي أنني
عُيِّنتُ هناك منذ عام تقريبا وقضيتُ إجازة أول عام دراسي بعيدا عن هموم الغربة في
حرارة الصعيد ومشكلاته ، وفكرت متى العودة من هذا البعد عن موطني إلى الوجه البحري
بين أهلي وأصدقائي وأحبابي ، وفي تلك اللحظات كان قطار الصعيد يصفر استعدادا للانطلاق
في الساعة الثامنة مساء لأقضي ليلة كاملة في باطنهِ قبل هبوطي كمولود يخرج من رحم
أمه الدافيء إلى مقر عملي القاسي في الخامسة صباح اليوم التالي بمدرسة أبي تشت الإعدادية
بمحافظة قنا ..... يالهُ من عودٍ على
بدء...،،،،
تعليقات