تعلمتُ في الصعيد
( الله يِحَنِنْ عليك ) عبارة للتوسل والاستجداء كثيرا ما يرددها التلميذ لي عندما يقصر في تأدية
واجبه المنزلي خوفا من العقاب الذي ينتظره ، ولو بإبلاغ والده بنتيجة إهماله في
حلّ الواجب المنزلي المحدد للفصل الدراسي كله .
قبل يديّ وقال وهو يرتجف : اضرُبني يا أستاذ ( ويمد يديه فاتحا إياها
منتظرا تلقي ضربات العصا التي كنت أستخدمها للإشارة بها على السبورة لمتابعة ما
سجلت عليها من كتابة أثناء قراءة التلميذ للمكتوب انتظارا للسؤال الذي سيسأل عنه في
الفكرة المسجلة ) وأجبته : لا تخف .. لن أضربك ... هذه العصا للتعليم وليست لإفزاعك
وإخافتك ، أنا أريدك أن تتعلم يا بني !!
وقلت له بلهجتهم التي تعلمتها منهم : تفضل (
قَمْبِر )على مكانك
ولكنه مازال يطلب أن أضربه
فرفعت صوتي في ضيق :( قعمز) ، فالتقعميز عندهم يعني الأمر بالجلوس بشدة
وعندها استدار وهو يبكي ، وكأنه قد علم أني سأخبر والده بإهماله وتقصيره
وتوجه إلى مقعده ، وأخفى وجهه على الدرج الذي يجلس عليه
وطلبت من رئيس التلاميذ بالفصل أن ينادي على مَنْ عليه الدور في كشف
التلاميذ للحضور ومعه كراسة الواجب المكلف بحلِّ أسئلته في المنزل ، فقال : ( أعيَّط عليه )
ياأستاذ ؟!! ولم أفهم ما يقول فقلت له : ماذا تعني بكلامك ؟
فضحك التلاميذ ، وسمعت أحدهم يقول : يعني ( ينادي عليه ) أستاذ !!
فكانت المشكلة أنني أتعلم مع تلاميذ الفصل لغة جديدة لا أفهم معظم مفرداتها
وفجأة سمعت تلميذا آخر يقول وهو يشير خارج الفصل : ( سخلة ...سخلة )!!
ثم صمت عندما رأى الغيظ والضيق على وجهي من الفوضى التي حلت بالفصل
فنظرت إلى رئيس التلاميذ بغضب وقلت : ماذا يعني هذا الغبي الذي أثار الفوضى
بين التلاميذ ؟
قال : يقول إنه رأى أمام الفصل ( رِبْعِيَّة )
يعني : عنزة ، تريد أن تدخل الفصل.
وكان أو من رآها الصف القريب من باب الفصل ويجلس فيه ( البِنِتَّا ) وليس (
الوِلْد)
كما يسمون : البنات والصبيان ..عندهم في أبي تشت بقنا .
وكان مبدئي ونظامي الذي دربت تلاميذي عليه في الفصول التي أقوم بالتدريس
لها منذ ذلك اليوم ، أن الأدب واحترام المعلم قبل تلقي العلم بالتدريب واستماع
النصح وتعليمات المعلم ، وأن النظام شيء أساسي في النجاح في الحياة ، فوق التعليم
والدراسة وله احترامه ، ووقت المزح والتقارب بين التلميذ ومعلمه له تقديره والمرح
فيه دون الخروج على النظام العام للمدرسة ، فإذا دخلت الفصل فلا يدخل أحد بعدي ،ولا ينتقل تلميذ من مكانه
إلى مقعد آخر ، طوال الحصة ، والتزام الصمت والاستماع أثناء الشرح ، ومن يرغب في
فهم شيء عليه أن يرفع يده دون صوت إلى أعلى ، وينتظر الإجابة عن سؤاله ، وهذا هو
سبيل المعرفة وتلقي العلم والرد على الأسئلة والاستفسارات ، أما الفوضى والضوضاء
فنتيجتها سيئة ، إما ( لّذّه خارج الفصل ) وكلمة
( لِذُّه ) مما تعلمته هناك بمعنى : دفعه
وإبعاده وبعضهم يقول( زُقّه)
و إما العقاب أو إرسال التلميذ إلى ناظر المدرسة لعقابه ، وينبغي إحضار
الكتب والكراسات لحصص المادة وأدوات التلميذ معه ،
وإلا فهناك نقص في درجات أعمال السنة الشفوية للمقصر منهم . وعندما أجمع
الكراسات للتصحيح ، أطلب من رئيس الفصل أن يوصلني بها إلى مكتبي بحجرة المدرسين
بأن أقول له كما تعلمت منهم ( جِلْ الكراسات) بمعنى
( احمل ) أو شيل
باللهجة المصرية العامية .
وآخر عقاب
هو إبلاغ ولي الأمر بإهمال ابنه في دراسته ، وهذا هو أشد ما يخشاه التلاميذ.
تعليقات