مواقف وذكريات

أحيانا يختفي شريط ذكريات الماضي التي حدثت للإنسان أو المواقف التي وقعت مع آخرين كانت لهم به علاقات قرابة أو صداقة أو زمالة
دراسة أو رفقة طريق سفر أو حتى مقابلات مصادفة في مناسبة من المناسبات .
قد أكون فيها صانع معروف أو جميل أو شهامة أو كرم أو نصيحة أو تدريب أو قدوة للآخرين في تلك المواقف والذكريات .
وأحيانا أخرى يكون الآخرين هم أصحاب الفضل عليَّ في تقديم المعروف أو النصح أو الأسوة وأنا المتفضل عليَّ بمواقفهم الخيرة .
والعجيب أنه في كلتا الحالتين , مع مرور الأيام وتعاقب السنين وانقطاع اللقاءات أو التعامل أو تباعد الأمكن بيننا أو انشغال المرء
في العمل ومشكلات الحاة اليومية , ينسدل ستار من النسيان أو الغفلة في تذكر هذه الأمور الهامة في الترابط والود بين الناس .
قد يتقطع الشريط في حُلْمٍ أو رؤية عابرة لشخص يذكرك بصاحب الموقف أو الذكرى الماضية المختفية سواء كان الفضل فيها يرجع إليك أو إلى من أسداها لك , وأحاول أن أستعيدها كاملة بتفاصيلها القديمة دون جدوى مع كون وقائعها مؤكدة وثابتة الحدوث .

ولكن الأصوات والأشكال والأحداث موجودة في عمق ما يحيط بك من البشر الباقين على قيد الحياة , والذين ربما عايشوا الموقف معك
شاهدوه أو سمعوه أو اشتركوا في صنعه , وإذا جاءت الفرصة وعاد اللقاء في نفس المكان مع من حضر ذلك الموقف أو تلك الذكر ى ,
وجرى الحديث عن الماضي عن غير قصد أو بقصد , تتوالى الأحداث في شريط الذكريات بالعودة سريعا إلى الوراء فتسمع الأصوات وترى الأشياء وتقع الأحداث من جديد لتشدك إلى التذكر .
وقد لا يرغب المرء في تجديد ذكريات معينة ويحاول وضعها في سلة مهملاته لينساها تماما , لأنها تؤذيه وتفضحه وتكشف معدنه
ولكن كيف له ذلك وقد أضاء مصباح حقيقتها الكاشف فيستصغر نفسه ويحترقها , معاتبا إياها لم فعلت ذلك ؟ وكيف سولت لي نفسي
هذا الجبن أو الجرأة أو الخبث أو اتباع الشيطان أن أقع في هذا السوء والفساد .
وأحيانا يفاجئك صاحب الموقف السيء الذي وقع له منك بعد عشرات السنين بلحمه وشحمه , وكنت تظنه قد مات أو اختفى إلى الأبد
فتفتح فمك من الدهشة كأنك في كابوس مؤلم , بينما هذا الشحص قد نسي تماما ندالتك وخستك وصورتك ومحاهما من ذاكرته وفوض أمره إلى الله , حتى لم يعرفك أو أنت تمنيت ذلك في قرارة نفسك وحاولت الهرب من أمامه .
وكذلك قد تنسى أنت المعروف أو الخير الذي قدمته لإنسان في أزمة من الأزمات , فرجت كربه وأزلت همه , وأنقذته من كارثة كانت
تنتظره , لأن قلبك يفعل الخير لله لا لانتظار رد الجميل , وتقذف بكم الأيام والسنين في متاهات الحياة وتتغير صور الوجوه وتنقلب الأحوال
من الغنى إلى الفقر , ومن الصحة إلى المرض ومن سواد الشعر والأناقة إلى الشيب والبهدلة وعدم الاهتمام بالدنيا , ثم تتلاقى الوجوه
ويتقابل من انفرجت حياته بجميلك الذي كان فاتحة خير له , معك وقد دارت بك الأيام وساء حالك وأصبحت في أمس الحاجة إلى العون
والمساعدة , فتجد شخصا أمامك لا تعرفه يذكرك بالموقف الشهم القديم , وأنت لا تتذكره بالمرة وتتمنى أن صدق كلامه , وهو يؤكد لك
ويذكر لك أدق التفاصيل , ولكنك لا تريد أن تسترد ما قمت به نحوه لأنك لا تلجأ في شدتك إلا إلى خالقك وحده .
لكن صاحب الخلق والوفاء الذي أمامك يؤكد هو أيضا أنه يرغب في مساعدتك ولو لم يكن لك عليه أي معروف , فما هو الحل إذن؟!!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )