اللغة العربية ( تاريخ)


اللغة العربية قبل الاسلام :
اللغة كان لها شان قبل الاسلام كما كان لها بعدا آخر قبل أن نعرف شأنها الثاني يجدر بنا نعرف شأنها الأول .
لقد نشأت هذه اللغة ونمت في عهدها الأول _ أي قبل الاسلام _ وهي ما زالت في حجر أمها ( اللغة السامية ) أي قبل انفصالها عن أخواتها الكلدانية والعبرانية والفنييقية والآرامية والأكدية بقسميها البابلي والآشوري ثم الأحريتية التي هي لغة قريش نقوش رأس شمرا ..
فحين أحاط الساميون بالجزيرة العربية كان لهذه البيئة أثرها في تلوين لسانهم وامداد لغتهم بالكثير مما لم تضمه بيئتهم الأولى التي خلفوها وراءهم كما كان لمن جاوروهم وخالطوهم من أمم وشعوب أخر ...
واذا كانت الرقعة الجديدة فسيحة ممتدة مختلفة صقعا عن صقع اختلفت لغة هذه القبائل النازحة اليها لغة عن لغة فكان للحجاز لغة واليمن لغة ثم لكل من الحجاز واليمن لغات للانقسام الى قبائل وعشائر وفصائل يضرب بين الكل منها وهاد وجاد ولكل هذه اللغات كلها بالرغم من اختلافها كانت تظل تحت راية واحدة ووحدة جامعة ,(( اللغة العربية )) ...
- اللغة العربية في ظل الاسلام :
كما أحدث الاسلام هذه الاضافة المعنوية الجديدة للتعبير عن معان جديدة أوجبها التشريع الجديد وأوجبتها العلوم الجديدة التي ظهرت بظهور الاسلام منبثقة منه فلقد أمات ظهور الاسلام ألفاظ الجاهلية التي كانت تسمى العقائد الجاهلية التي اختفت بظهور الاسلام كما كانت تسمى عبادات ماتت بظهور الاسلام ومن ذلك ( المرباع ) وهو ربع الغنيمة الذي كان يأخذه الرئيس ومن ذلك تسميتهم في الجاهلية لمن لا يحج ( صرورة ) الى غير ذلك من الألفاظ والعبارات الأخرى كثيرة ولكن نكتفي بمَا ذكر ...
أما عن المصطلحات الادارية التي تبعت ظهور الاسلام كـــ ( الخليفة والوزارة والكتابة والحجابة ) الى غير ذلك ولم يكن حظ المصطلحات العلمية بقليل ولا سيما بعد اتساع الرقعة الاسلامية وأظلت الراية الاسلامية حضارات مختلفة ونقل الى العربية كتب عن لغات أخرى في العلوم والفلسفة والدارسون لهذا والمقتصون له يجدون من تلك المصطلحات جملة كبيرة وفي الحق انه لم يكن ثمة شيء له أثره في اللغة العربية أقوى من الاسلام ولا أظهر ..
فمنذ أن جاء محمد صلى الله عليه وسلم قومه بالقران الكريم منزلا عليه من ربه بلسان عربي مبين كانت تلك الصلة الوثيقة بين اللغة والدين وكتب اللغة العربية ذلك المستقبل العظيم بحصيلته الباهرة فبالاسلام ونزول القران بلسان عربي مبين كانت معجزة الرسول الكريم التي تحدى بها قومه فتبوأت اللغة العربية مكانها بين اللغات الحية وأصبحت لغة دين وحضارة معا ثم كتب لتلك اللغة العربية التي محصورة في بيئة لا تعدوها أن تنتشر في بيئات مختلفة وأن تجمع تحت رايتها أمما كانوا على ألسنة غير عربية فأصبحوا يتكلمون العربية من أسبانيا الى أواسط آسيا شرقا
ولقد حظيت اللغة العربية في أوائل الدولة العباسية بأجمل عناية بما يتصل بقواعدها ثم كان العصر الذهبي للأدب العربي ولم يزعزع ذلك الانحلال الذي منيت به الدولة أواخر الدولة العباسية ....
- أثر الاسلام على اللغة العربية وأساليبها :
لقد كان لظهور الاسلام أثر, أي أثر في اللغة العربية وأساليبها وألفاظها وهذا الأثرملأ نفوس المسلمين بروح القرآن وغرامهم بأسلوبه من هنا كان ظهور ألفاظ القرآن وأساليبه في لغة المسلمين شعرا ونثرا وكتابة وخطابة ويمكن التعرف على هذا التأثير في شيئين هما الأسلوب والألفاظ ومن اليسير ملاحظته التغير في الأسلوب فما جاء على ألسنة الكهنة في الجاهلية وبين ما جرى على ألسنة خطباء الاسلام فمثلا قول طريفة كاهنة اليمن حين خاف أهل مأرب من سيل العرم وعليهم مزيقياء عمرو بن عامر فانها قالت لهم لا تؤموا مكة حتى أقول وما علمني ما أقول الحكم المحكم رب جميع الأمم من عرب وعجم أي هذه الأساليب القرآنية التي سقت أمثلة منها والتي كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الى عمرو بن العاص ..
لمَا بعث به الى فتح مصر ثم تخوف فكتب اليه : " بسم الله الرحمن الرحيم من الخليفة عمر بن الخطاب الى عمرو بن العاص عليه سلام الله تعالى وبركاته
أما بعد فان أدركك كتابي هذا وأنت لم تدخل مصر فارجع عنها وأما اذا أدركك وقد دخلتها أو شيئا من أرضها فامضِ واعلم أني ممدك ."وهكذا نجد فرقا بين أسلوب وأسلوب.(أسلوب جاهلي فيه مقومات الجاهلية والأسلوب الاسلامي فيه مقومات الاسلامية ومحاكاة القرآن الكريم أما التأثير في الألفاظ فهو أمر طبيعي اقتضته تلك المعاني الجديدة التي دخل الاسلام بها وحملتها ألفاظ كان لها معان غير تلك المعاني الاسلامية)
ان المصطلحات الشرعية والفقهية للكثير مثل الزكاة والصلاة والسجود والركوع فهذه وغيرها دلالات قبل الاسلام ولما جاء الاسلام حملها دلالات جديدة وأصبحت لغة القرآن عند المسلمين عامة سواءا كانوا عرب أم غير عرب ومجمل الكلام نقول :
- خلد الاسلام اللغة العربية حين نزل القرآن بلسان عربي مبين وضمن الله تعالى لها الخلود بقوله ( انا نحن نزل الذكر وانا له لحافظون )) (الحجر 9) وحفظ القرآن يستلزم حفظ لغته التي نزل بها .
- اثر الاسلام في لغة العرب أنه جعلها لغة عالمية غير مقصورة على اقليم معين يحرص كل مسلم على وجه الأرض على تعلمها ليقرأ بها القرآن في صلاته .
- ومن أثره أيضا أنه دقق ألفاظها وأبعدها عن الجفاء والغلظة كما حول أساليبها الى العذوبة والسلاسة .
- نشأة الفصحى :
لقد نشأت اللغة العربية المشتركة من مكة أم القرى وبلد الله الحرام لظروف دينية وسياسية واقتصادية.
الظروف الدينية فذلك لأن بيئة مكة كانت منذ عهود سحيقة قبل الاسلام بيئة مقدسة يفد اليها العرب من كل فج ليحجوا اليها ويؤدي هذا بالطبع الى اجتماع فريق كبير من العرب في هذه البقعة المباركة ويختلطون بأهلها ومن هذا الاختلاط ينشأ ما يسمى باللغة المشتركة وليس الأمر اصطلاحا شعوريا بين القبائل على اختيار لغة معينة كلغة قريش مثلا لغة مشتركة وانما ذلك الأمر لا شعوري كما يحدث للريفي الذي يحضر الى المدينة ويعيش فيها مدة مثلا فانه سرعان ما يتأثر باللهجة المدنية قهرا عنه ودون شعور منه هذه القبائل لم تفد الى مكة للحج والعبادة فقط وانما ليشهدوا كذلك تلك الأسواق التي تقام حول مكة للبيع والشراء وكانت تعقد في تلك الأسواق ندوات أدبية للخطباء والشعراء ويسمع فيها عيون الشعر وجيد القول كما كانت الحال في سوق عكاظ المشهورة التي كانت تدوم فيها الندوات ما يقرب من الشهرين وفي هذه الأسواق كان أهل مكة يختلطون بالوافدين فيسمعون منهم كما يسمع منهم هؤلاء هناك نبتت البذرة الأولى للغة المشتركة بين هؤلاء القبائل جميعا ونمت وازدهرت بتوالي وفود القبائل الى هذه الأسواق , وقد حملت هذه الوفود تلك اللغة المشتركة الى مواطن قبائلها فانتشرت بين أنحاء الجزيرة العربية ولكنها لم تنتشر على ما نرجح الا بين الخاصة فقط من أبناء القبائل المختلفة وهم أولئك الشعراء والخطباء .
وقد ازدهرت هذه اللغة نموا وازدهارا بنزول القرآن الكريم بها , ولسنا نوافق القائلين بأن نزول القرآن هو الذي وحد اللغة وأوجد اللغة المشتركة لأن هذه اللغة نمت وازدهرت وكما قلنا من قبل نزول القرآن الكريم بها ولذا تخيرها القرآن بنزوله ليفهمه جميع الناس في شتى القبائل العربية هذه هو العامل الديني .
وهناك عامل اخر اقتصادي:
و له أهميته في تكوين اللغة المشتركة فان أهل مكة كانوا تجارا ينتقلون بتجارتهم في أماكن مختلفة ويرتحلون بها الى اليمن في الشتاء والى الشام في الصيف ولا يستقرون في مكان الا بمقدار الزمن الذي يحدده لهم البيع والشراء و هذا النشاط التجاري الضخم قد أتاح لهم الغنى والثراء ومن ملك المال واحتضن الدين فقد حقق له سلطان سياسي قوي وكان أكثر حضارة وأقوى نفوذا من غيره.
ولهذا كله كانت اللهجة القرشية من أقوى اللهجات أثرا في تكوين اللغة العربية الفصحى وتتميز تلك اللغة الفصحى المشتركة بصفات معينة شأنها في ذلك شأن كل اللغات المشتركة ....
- سبب بقاء العربية :
هذا واذا كان قدَر للغة العربية الفصحى أن تعمر الى الآن لا يعنينا انكماشها حينا وانبساطها حينا آخر ولكن يعنينا أنها بقيت الى اليوم وبقي لها ظل ممدود فهذا البقاء اذا أمعنا فيه النظر لم نجد ولن نجد سببا الا القرآن الكريم محفوظا الى اليوم وسوف يظل الى يوم البعث قال تعالى : ( انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون ))( الحجر آية 9 )
فالقرآن الكريم هو الذي كان سببا في بقاء اللغة العربية الفصحى اذ ان كل مسلم به مطالب بأن يطالعه ويحفظه أو يحفظ منه قدرا ولولا القرآن لتشتت اللغة العربية , وتجزأت , وكانت لغات ولهجات لكل قطر لغته ولهجته , كما صارت اليه اللغة اللاتينية بعد ذهاب دولة الرومان فغرق أعلاها أمما وطوائف ولم يعد للدولة الرومانية ولا للأمة الرومانية وجود بعد ذهاب لغتها اللاتينية
ومثل ما حدث للرومان حدث للسريان والانباط في الشام .
أما اللغة العربية فقد حفظها القرآن الكريم فحفظ بها التفاهم بين المسلمين كافة في السعودية والكويت والمغرب ومصر والعراق والشام واليمن والشام والسودان ودول الخليج العربي وغيرها, ولولا بقاء العربية ببقاء القرآن الكريم لأصبحت هذه الأمة أمما ذات ألسنة مختلفة ولهجات متعددة يصعب التفاهم بينها وكان من الممكن أن تذوب لغتها في لغة من تسلطوا عليها وهذا لو تم لكان من اليسير اندامجها في غيرها وانسلاخها من الكيان العربي والوحدة العربية فالقرآن الكريم هو الذي أبقى هذه الشعوب أمة واحدة ذات لسان واحد عربي ثم لا ننسى من انطووا تحت لواء الاسلام من شعوب كما هو الحال في باكستان واندونيسيا وايران وتركيا والهند والصين بل في امريكا وروسيا واوروبا واصبح فيهم من يقرأ القرآن بعد أن قرأ العربية على حين ان النصارى واليهود يقرأون التوراة والانجيل باللغات التي ترجموهما اليها,
وعلى أية حال فأثر القرآن الكريم في اللغة العربية لايعدله أثر أو يقرب منه أثر الى كتاب ديني آخر في لغته التي كتب بها اذ انه ليست لهذه اللغة الأخرى قدسيتها التي هي للقرآن ثم ليس لها اعجازها كما هو الحال في اللغة العربية فهي لغة تحدى الله سبحانه المعاندين أن يحاكوها ويأتوا بآية أو ببعض آية على نمط القرآن الكريم وقبول هذا التحدي لا يتأثر الا اذا كان اللسان العربي الذين تحداهم القرآن ولسان الذين قبلوا التحدي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )