3- تأثير الثقافة اليونانية في الحضارة العربية بالترجمة
كان لالتقاء الحضارتين العربية الإسلامية بالحضارة اليونانية عن طريق الترجمة أثرا واضحا فيما يلي :
انتشر نصارى السريان في مدارس الرها ونصِّيبين وحَرَّان وجنديسابور ، وهؤلاء هم الذين قاموا بالجهد الأكبر في نقل الثقافة اليونانية للعربية عن طريق الترجمة التي نشطت في ذلط الدور في أول القرن الرابع الهجري ؛ حيث قام ( بروبوس )بنقل مجموعةمن الحكم اليونانية إلى اللغة العربية في عصر الخليفة المأمون حيث كان عصر ازدهار علمي فهو الذي أنشأ دار الحكمة تلك المدرسة التي كانت مركزا لنقل ثقافة اليونان ونشرها بين العرب ، إلا أن الترجمة وُجِدَتْ قبل عصر المأمون ولكنها كانت تتركز على نقل علوم الفلك والرياضة والطب وبعض كتب أرسطو ، ثم تطورت فشملت كثيرا من المعارف اليونانية المختلفة ، ورفض المسلمون من منطق أرسطو م لا يتفق مع دينهم الإسلامي مثل ( أزلية الكون ) وغيره من المناقشات الفلسفية الجدلية العقيمةوكما كان من أهم مظاهر تأثير الترجمة من الثقافة الهندية علوم الفلك والرياضة والطب والأدب زاد نشاط الترجمة بين الثقافة اليونانية والعربية إلى المنطق والفلسفة بشكل كبير وقد تأثر المسلمون بهذا كله وخاصة العلمين الأخيرين ( المنطق والفلسفة ) اللذين زاد تأثيرهما بشكل واضح وخلقت الفلسفة بالذات طاقة جدلية لدى المسلمين للدفاع عن دينهم الإسلامي ، فنقلت الفكر الإسلامي إلى دور جديد من الحرية التعبيرية في الرأي ، وتمجيد العقل البشري والفكر العقلاني ، وكان المعتزلة هم أكثر المسلمون استجابة للثقافة العقلية اليونانية وذلك ما وضحته التراجم في العديد من الكتب بين اللغتين اليونانية والعربية .
وأدت تلك الحرية العقلية إلى خلق تيار :الزندقة : الذي اقترن بالجدل الفلسفي حول مسائل الدين ، وكان هذا الاتجاه رد فعل للثقافة العقلية اليونانية ، كما كان لشيوع الديانات الفارسية في الإسلام ، وجعلت تختلط بأذهان المسلمين الذين لم تتركز العقيدة في قلوبهم
وكان للمعتزلة مع الزنادقة دور كبير فأبطلوا حججهم وردوا عليهم أمثال ( واصل بن عطاء ، والعلاف ) وهذا اعلاف أَلّفَ ستين كتابا في الرد على الزنادقة المخالفين ، والذين كانت للدولة معهم دور بارز بالاضطهاد كما كان للمعتزلة دور المناقشة فأخذت تقتل وتتعقب كل واحد منهم أمثال ( المهدي )وأخيرا فالزندقة كان لها أثرٌ بالغ في التطور الفكري والحرية العقلية والتعبيرية وذلك ما أدى إلى اشتداد النفوذ الفارسي في نهاية العصر العباسي العربي.
كل هذه الأمور أبرزتها لنا تراجم المترجمين بين الثقافتين العربية واليونانية والفارسية والهندية .