نصبُ الفعل المضارع بفاء السببية الجَوَِاْ بِيَّةِ (2)

ذكرت في المساهمة السابقة أن نواصب المضارع تصل عند التحويين من علماء اللغة العربية إلى إحدى عشر أداة كما توضحه الصورة وما عرضته في الموضع الأول من نواصب الفعل المضارع ؛ وذكرت أنني بإذن الله سأفصل بوضوح ولإيجاز ، ما درسته عن فاء السببية على يد أساتذة أفاضل وما قرأته في مراجع النحو بمكتبتي المتواضعة . واليوم نستكمل الحديث عن تلك الأداة المهمة في نصب المضارع إن شاء الله . ===================================== تتضمن فاء السببية الجوابية معنى العطف أيضا فتفيد الترتيب والتعقيب مع السببية ، والمعطوف بها هو المصدر المؤول من (اْنْ ) وجوبا وما دخلت عليه ، وأن المعطوف عليه لابد أن يكون مضمرا وهو المصدر المؤول كذلكولا بد أن يكون موجودا ولو من طريق التصيد من معنى الجملة العام . وأنه إذا فاء السببية هذه بعد نفيٍ فقد يكون المنفي ما قبل الفاء وما بعدها معا ، ولِنَقْرَأ النماذج التالية لنتعرف منها على استعمالاتها : * لايغضبُ العاقلُ فَيَفْقِدَ صوابَ الرأيِ ، ولا يَتَبَلَّدُ فَيَفْقِدَ كريمَ الشٌّعُورِ..... * ْلَستُ أُنْكِرُ الفَضْلَ فَأُتَّهَمَ بالجحودِ أو بالحِقْدِ ، ولستُ أُبَالغ في الثناءِ ؛ فَأُتَّهَمَ بالغَفْلَةِ أو الرياءِ .... * لا تُصَاحِبْ غادِرًا فَيَنَالَك غَدْرُهُ ، ولا تَأْتَمِنْ خائنًا فَتُصِيبَكَ خِيانتهُ ......................... * أَتَعْرِفُ لِنَفْسِكَ حَقَّها فَتَصُوْنَها عن الهَوانِ ؟ و هلْ تُدْرِكُ أنَّ الكِبَرَ كَالضَّعَةِ ؛كلاهما بلاءٌ فَتَحْذَرَهُ ؟!!.....
وبشرح المثال الأول كأنموذج لفهم معنى فاء السببية الجوابية يمكنك تدبر المعنى من بقية نماذج استخدام الفاء ومعرفة المصدر المؤول المضمر أو الظاهر منها ....... إن الناطق بمثلِ ( لا يغضبُ العاقلُ ؛ فيفقِدَ صواب الرأيِ ) يريد أمرينِ معا هما : نفي الغضبِ ، وبيان ما يترتب على نفيه من عدم فَقْدِ الرَّأْيِ الصائب ؛ فكأنه يقول : العاقِلُ لا يغضب؛ فيترتَّب على عدم غضبه أنه لايفقد صواب الرأي أي لا يغضب ، فلا يفقد سديد الرأي ، فما بعد الفاء مُسَبَّبٌ عما قبلها وكلاهما منفي هنا .... وهكذا في المثال الثاني : يريد أمريْنِ معا هما ؛ عدمُ التبلدِ ، وما يترتب عليه من عدمِ فقْدِ الشعور الكريم .... وهكذا في بقية الأمثلة أو النماذج المذكور وما يشبهها .؛ فالفاء تأتي متوسطة بين أمرين السابق منهما ( سبب أو عِلَّةٌ ) في المتأخرِ الذي يليها أو يأتي بعدها ، بمعنى أن ما بعدها مُسَبب عما قبلها ولا بد في مثل تلك الحالة أو الاستعمال أن يليها مضارع منصوب ، وملحوظة أخرى للتوضيح أكثر ؛ فأنَّ دلالتها على الجواب وتحديد الغرض منه فهي تشبه الغرض من نصب المضارع بعد (إذَنْ ) ، وشرط أن يسبق نفيٌ محضٌ أو طلب أو ملحق بهما يشبه الشرط في أن مضمونه غير محقق الوقوع ولا مقطوع بحصوله ؛ اقرأ مثلا عن إذنْ للمقارنة نحو المثال التالي : قول الصديق لصديقه : سَأُغْضِي عن هَفْوَتِكَ ؛ فيرد الآخر قائلا : إِذَنْ أَعْتَذِرَ عنها .، مخلصًا شاكرًا )....ومع فاء السببية يمكنك أت تعبر بها في ذلك بقولك : قال الصديق المخطيءُ لصديقه ( ماأخطَأتُ في حقِّكَ فَأَعْتَذِرَ عن هفوتي شاكرا لكَ ؛ فقد سبق فاء السببية نفي عن الخطأ ، وجاء الاعتذار بعدها مضارعا منصوبا في أعتذِرَ ، نافيا وقوع الخطأ وطالبا العفو عن هفوة ربما وقعت عنه دون قصد وشكره بعده ........ وأرجو أن يكون القاريء الكريم قد وضح إيجاز ما كتبه النحويون في مؤلفاتهم المبسوطة والعلمية الأكاديمية الطويلة التي قد تبعد المعنى عن ذهن غير الدارس للغة العربية وفرع النحو على الأخص مما يشكو عنه طلاب المدارس والجامعات إن شاء الله والله أعلى وأعلم . المصدر / كتاب النحو الواضح للدكتور عباس حسن الجزء الرابع طباعة ثالثة لدار المعارف بمصر... أستاذ ورئيس قسم النحو والصرف والعروض ؛ سابقا بكلية دار العلوم جامعة القاهرة ، وعضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة مسالة 149 من صفحة 317 إلى صفحة 374 .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )