قلعة كلية دار العلوم ، وعام التخرج ..ذكريات 1964م

من ذكرياتي في السنة النهائية من دراستي الجامعية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة تلك القلعة القديمة لتعليم اللغة العربية والعلوم الإسلامية في مصر والوطن العربية بما انتفع بعلومها على إيدي العديد من خريجيها من مصر والبلاد العربية ،والتي ينتمي إليها نخبة وصفوة الطلاب الأزهريين وغيرهم من الحاصلين على الشهادة الثانوية العامة تأخذني الذكريات إليها وإلى طريق الذهاب إليها من المدينة الجامعية القريبة من مبني جامعة القاهرة بالدقي إلى مقر الدراسة في الكلية بحي السيدة زينب والقريبة من شارع التحرير بوسط القاهرة العامرة ، ما مرَّ بي وأنا في السنة الرابعة والنهائية بها للحصول على الليسانس التخصصي في اللغة العربية وعلومها والعلوم الإسلامية عام 1965م.
كان عام 1964م عاما حافلا بذكريات ما قبل التخرج بالكلية ، ومضاعفة الجهد تفرض نفسها عليَّ حتى أنال درجة الليسانس بعد كفاح مرير مع مستوى المعيشة التي ولدت فيها ، وسوء الحظ في عدم تحقيق أملي الكبير في دخول الكلية التي كنت أصبو إليها ، ورغم كل هذه الظروف القاسية فقد أوشكت سِنِيِّ الدراسة الأربع على الانتهاء بسرعة لم أكن أتصورها ، تسير الحياة بسهولة مع صعوبة المواد الدراسية على طالب مثلي خريج ثانوية عامة تعليم حكومي عام ، بين من هم من طلاب خريجي الأزهر الثانوي التي تتفق دراستهم مع علوم كلية دار العلوم وتعتبر تتمة وتسلسلا طبيعيا لمراحل التعليم قبلها النسبة لهم . وساعات العمل والجِدّ والاجتهاد لها أهمية في حياة المناضلين من أجل تحقيق هدف سامٍ رفيع ؛ فضياع ثانية منها قد يكلف الكثير ، ولكني أَضَعْتُ ثواني كثيرةٍ بل ساعات في العطاء بلا مقابل من أجل توطيد العلاقات وربط أواصر الصداقة وصلة القربى .ومن أمثلة ذلك ما كنت أبذله في ساعتين أو أكثر من يومي الخميس والإثنين لإعطاء درسٍ بالمجان لبعض الأقارب والمعارف ، وكنت أتردد على حي العجوزة ومستشفاها المعروف حيث كان يرقد خالي العزيز لإجراء عملية إزالة حصوات بالكُلَى ، وكلفت بخدمته من تلقاء نفسي والسهر على راحته وقضاء حاجاته من خارج المستشفى وملازمته حتى موعد متأخر من الليل بسبب وجود ابن خالي الأكبر محمد بكلية الشرطة وعدم تمكنه من الخروج إلا يوم الخميس وأحيانا لا يستطيع الحصول على إجازة في هذا اليوم لظروف كليته العسكرية ، وكذلك بنت خالي كانت بالسكن الداخلي للمعهد العالي للاقتصاد المنزلي بالقاهرة ونظام العودة إلى القسم الداخلي مبكرا قبل المغرب ، وكان لي لقاء مسائي بالعجوزة ليلة الاثنين والخميس بطالبين من أصدقائي يدرسون معي بكلية دار العلوم من شرق آسيا أندونيسيا وماليزيا لنتكلم معا باللغة العربية التي حضرا لدراستها بدار العلوم مع اختلاف لغتهما عن العربية وذلك نظير مبلغ بسيط يساهم في مصاريف دراستي المتواضعة كل شهر ، كما أني أحسستُ بضرورة مساعدة والدي في التخفيف عنه من تكاليف حياتي بالقاهرة بأية وسيلة لا تؤثر على استمرار نجاحي في دراستي بالكلية ، وكان لصلة الرحم مع خالي وأولاده حيث كانت والدتي تحثني وتربيني على المودة بين الأقارب وفضله عند الله كما تربت على ذلك في أسرتها ومع أسرة إبي أيضا ، لكني في السنة الرابعة كنت أسائل نفسي أليس كل هذا الوقت الضائع من وقتي للمذاكرة؟! ربما يؤثر في نتيجتي للشعور الموجود عند الطلاب جميعا بالخوف من شبح الامتحانات القريبة وكيف يؤثر التكاسل على درجات الطلاب ؟!.ولكن الله هداني إلى أني لا أضيِّع هذا الوقت إلا فيما يرضيه دون تقصير في مذاكرتي لمواد الدراسة الكثيرة ، والحمد لله فقد شفي خالي سريعا بعد العملية وشكرني وعاد إلى بيته بسلامة الله مع أولاده الذين يدرسون معي بالقاهرة في كلياتهم التي لا تقل صعوبة في امتحاناتها عن دار العلوم بل تزيد ضوابط الانتظام بها كثيرا . ولطالما شهد شارع نوال بالدقي خطواتي وأنا عائد بعد الحادية عشرة مساء إلى حجرتي بالمدينة الجامعية القريبة من مبني جامعة القاهرة بالجيزة ،.. قبل أن تغلق أبواب المدينة الجامعية في منتصف الليل الساعة الثانية عشرة ، ودخلتُ الامتحان والحمد لله نجحتُ بدرجة جيد وتخرجتُ ، وتلاشت المتاعب التي كانت تعترض طريقي ، وبدأت أستعد لامتحان المقابلة للتوزيع للعمل بمدارس الجمهورية كمدرس لغة عربية وتربية إسلامية بالمدارس الإعدادية عام 1965 ، واجتزتُ امتحان المقابلة بنجاح وكان ترتيب التوزيع بحسب الأوائل بخلاف المرجو لهم فقد كانوا يأملون التعيين بمحافظاتهم ومراكز نشأتهم ، لكن الأمر كان بتوزيع المتقدمين من أسوان بالوجه القبلي من صعيد مصر حتى الجيزة ، أما الأقل درجة في النجاح والتقييم فقد وزعوا على محافظات الوجه البحري ، فأغرقت الأيام الخواطر والأحلام والآمال التي كنا ننشدها ، وبدأ الاستعداد لرحلة جديدة من مواجهة الجهد الشاق من جديد في السفر والمعيشة بعيدا عن الأسرة والأهل في مواطن النشأة الأولى أو قريبا منها ، وكان حظي التعيين في أول مركز من محافظة قنا وهو مركز أبو تشت الذي لم أسمع بمسماه إلا بعد أن تم توزيعي على المدرسة الإعدادية المشتركة من البنين والبنات فيه وتلك مفاجأة غريبة ظن بعض الأقارب أن ذلك بسبب ضعف تقديري في التخرج فكان عليَّ أن أثبت لنفسي ولهم ثقتي بالله وبالقدرة على نجاحي في عملي بمهارة بما وفقني الله إليه والحمد لله.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

تصريف الأفعال في اللغة الفارسية

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )