حقُّ الإمام ( 2) / دينيات مفيدة


فرعاية الضرورات على الإمام نص صريح ، والأمر بالتعقل والتفكير نص صريح ، ومن قال بغير ذلك فهو الذي يجتهد برأي من عنده يخالف صريح النص ، أما موضوع الاجتهاد الذي يُطْلَبُ من الإمام في مسائل التشريع فهو :......................

الذي فصَّله الفقهاء في أبواب القياس أو الاستحسان أو الاستسصلاح : فقد أجملها العَالِمُ الفاضل الأستاذ عبد الوهاب خلاف ... في كتابة عن مصادر التشريع فيما لانص فيه فقال : ( إنه إذا عُرَضَتْ للمُكَلَّفِ واقعةٌ فيها حُكمٌ دلَّ عليه بنَصٍّ في القرآن أو السُّنَّةِ أوانعقدَ عليه إجماع المجتهدين من المسلمين في عصر من العصور وجب اتباع هذا الحكم ولا مجال للاجتهاد بالرأي في حكم هذه الواقعة ... وإذا عُرِضَتْ واقعةٌ ليس فيها حكم بنص ولا إجماع ولكن ظهر للمجتهد أنها تساوي واقعة فيها حكم بنصٍّ في العِلَّةِ التي بُنِيَ عليها حكم النص أو الإجماع فإنه يُسَوِّي بين الواقعتين  في حكم النص لتساويهما في العلَّةِ التي بنى ،  وهذه التسوية هي القياس وهو أول طريق الاجتهاد بالرأي لأن المجتهد يستنبط علة حكم النص باجتهاده برأيه ....

وإذا عرضت واقعة يقتضي عموم النص حكما فيها أو يقتضي القياس الظاهر المتبادر حكما فيها أو يقتضي تطبيق الحكم الكُلِّي حكما فيها وظهر للمجتهد أن هذه الواقعة ظروفا وملابسات خاصة تجعل تطبيق النص العام أو الحكم الكلي عليها أو اتباع القياس الظاهر فيها يفَوِّتُ المصلحة أو يؤدي إلى مفسدة فَعَدل فيها عن هذا الحكم إلى حكم آخر اقتضاه تخصيصها في العلم أو استثناؤها من الكُلُّيِّ أو اقتضاه قياس خفي غير متبادر فهذا العدول فهو الاستحسان وهو من طرق الاجتهاد بالرأي لأن المجتهد يقدر الظروف الخاصة لهذه الواقعة  باجتهاده برأيه ويُرَجِّح دليلا على دليل باجتهاده برأيه 

فواقعة القياس واقعة ليس فيها حكم بنص أو إجماع أُلْحِقَتْ بواقعة فيها حكم بنص وإجماع ، وواقعة الاستحسان واقعة تعارض في حكمها دليلان وعدل المجتهد فيها عن حكم أظهر الدليلين لسند استند إليه في العدول ، وواقعة الاستسصلاح واقعة بِكْرٌ لا حكم فيها بنص ولا إجماع ولا قياس ، وشرع فيها المجتهد الحكم لتحقيق مصلحة معينةٍ .......) 

واجتهاد الصحابة بإذن النبي عليه الصلاة والسلام هو السند الذي يرجع إليه الفقهاء في جواز الاجتهاد أو وجوبه عند الاضطرار إليه ، وأشهر وصاياه عليه الصلاة والسلام لكبار الصحابة وصيته لمعاذ بن جبل وعمرو بن العاص .....

ورُوِيَ عن عمرو بن العاص أنه جاء خصمان يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : يا عمرو اقضِ بينهما ...قال : على ماذا أقضي ؟  قال إن أصبت القضاء بينهما لك عشْرُ حسنات ، وإن اجتهدتَ فأخطأتَ فلك حسنة ....... ومثله ماروي عن الإمام أحمد بسند مرفوع إلى معاذ بن جبل قبله رضي الله عنهما قال فيه  رسول الله عليه الصلاة والسلام عن اجتهاد معاذ  :

( الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله ) يوم بعثه إماما على اليمن ........وهو الذي ولي القضاء قبل تمام التنزيل ، ولما تتنزل الآية الشريفة : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتتمت عليكم نعمتي ، ورضيتُ لكم الإسلام دينا ) ولم يكن من حق الإمام ابن القيم الجوزية أن يعترض على حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه ، ...... وكيفما كان رأي المتأولين في جواز الاجتهاد فما يكون لصاحب رأيٍ في الإسلام أن يزعم أن الناس أمروا بالنصوص الكتابية كما تؤمر الآلات التي تساق إلى عملها بالكهرباء ولا تدري حكمته ولا تفقه معنى لتحريم الحرام وتحليل الحلال ـ وأنهم لم يؤمروا بالنصوص كما يؤمر العقلاء المكلفون بالنصوص المتواترة أن يتدبروا أوامر الله ونواهيه ويتدبروا آيات الله في الكتاب وآياته في الأرض والسماء .... وبئس مثل المتعالمين الذين يحتجون بالكتب ولا يفقهونها ، فإنهم كما جاء في القرآن الكريم : ( كمثل الحِمَارِ يحملُ أسفارا بئس مثل الذين كذبوا بآيات الله ) في سورة الجمعة ......

على أن الأدلة على جواز الاجتهاد بل على وجوبه كثيرة فيما ثبت من أعمال النبي عليه الصلاة والسلام ، وأعمال خلفائه الراشدين رضوان الله عليهم جميعا ، ولا سيما الخليفة الثاني أبوبكر الصديق رضي الله عنه كما أضفت في تعليقي في عنه في المساهمة السابقة من الموضوع رقم (1) 

فالنبي صلى الله عليه وسلم تدرَّجَ في إيجاب التكليف وجاء في رواية الإمام أحمد ( أن وفد ثقيف اشترطوا على رسول الله ألا يحشروا ولا يعشروا ولا يجمعوا ، ولا يستعلى عليهم غيرهم ، أي لا يخرجوا للغزو ولا يؤدوا الزكاة ـ ولا يصلوا ، ولا يولى عليهم أحد من غير قبيلتهم ) فقال عليه الصلاة والسلام ( لكم ألا تحشروا ، ولا تعشروا ، ولا يستعمل عليكم غيركم ، ولا خير في دين لا ركوع فيه )

وقبل النبي عليه الصلاة والسلام منهم ما اشترطوه وهو يقول : كما جاء في رواية أبي داود إنهم ( سيصدِّقون ويجاهدون ) أي أنهم سيؤدون فرائض الإسلام متى ثبت الإيمان في قلوبهم وشاهدوا غيرهم من المسلمين يتصدقون ويخرجون للجهاد ..................

======================

وللاجتهاد في القياس والقدوم عليه بحجة الصواب والمصلحة أو الخطأ وترك غيره على ماهو عليه حديث قادم من هذا الكتاب

للكاتب / عباس محمود العقاد ) بتصرف واختصار ووجهة نظر قد تكون نافعة ومفيدة إن شاء الله ............

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

البلاغة والمجاز

صـورة بــلاغية !!

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )