قصيدة ( أب )
كان سفيرا لسوريا لسنوات طويلة ، وقامت الثورة في بلده فمنع من الدخول فعاش بقية عمره في المغرب العربي ، وكان يزور مع أسرته لبنان ليستنشق
من بعيد عطر هواء حلب من جديد ، فيرسل أبناءه ليتمتعوا فيها أياما ثم يعودوا إليه في لبنان ، فيرجعوا جميعا إلى المغرب الذي أعزه وكرمه حتى لقي ربه ، هذا هو ( أب ) ملتاع قال قصيدته في غياب أولاده في حلب لذكرياته معهم قبل تركها كسفير لسوريا :
أين التَّدارسُ شابهُ اللعب ؟*** أين الضجيج العذبُ والشَّغبُ ؟
أين الطفولة في توقدها ؟ *** أين الدُّمَى في الأرضِ والكتبُ ؟
أين التشاكسُ دونما غرضِ ؟ *** أين التشاكي ماله سبب ؟
أين التباكي والتضاحك في *** وقتٍ معًا، والحُزنِ والطَّرَبِ ؟
أين التسابق في مجاورتي ؟ *** شغفا إذا أكلوا وإن شربوا ؟
يتزاحمون على مجالستي *** والقرب مني حيثما تنقلبوا ؟
يتوجهون بِسَوْقِ فطرتهم *** نحوي إذا رهبوا وإن رغبوا
فنشيدهم بابا إذا فرحوا *** ووعيدهم بابا إذا غضبوا
وهتافهم بابا ‘ذا ابتعدوا ***ونجيُّهم بابا إذا اقتربوا
بالأمسِ كانوا ملءَ منزلنا ***واليومَ ، ويْحَ اليومِ قد ذهبوا
وكأنما الصمت الذي هبطتْ *** أثقالهُ في الدارِ إذ غربوا
إغفاءَةُ المحموم هَدْأتُها *** فيها يشيع الهَّمُّ والتعب
ذهبواأجل ذهبوا ومسكنهن *** في القلب ما شطُّوا وما قربوا
إني أراهم أينما التفتت *** نفسي وقد سكنوا ، وقد وثبوا
وأحُسُّ في خلدي ثلاعبهم *** في الدار ليس ينالهم نصب
وبريق أعينهم إذا ظفروا ***ودموع حرقتهم إذا غلبوا
في كلِّ ركن منهم أثر *** وبكل زاويةٍ لهم صخبُ
في النافذات زجاجها حَطَموا ***في الحائط المدهون قد ثقبوا
في الباب قد كسروا مزالجه ***وعليه قد رسموا وقد كتبوا
في الصحن فيه بعض ما أكلوا ***في علبة الحلوى التي نهبوا
في الشطر من تقاحةٍ قضموا *** في فضلة الماء التي سكبوا
إني أراهم حيثما اتجهت *** عيني كأسراب القطا سربوا
بالأمس ( في بيوت ) ودعتهمُ*** واليوم قد ضمتهم حلبً
دمعي الذي كنَّمته جَلِدًا *** لما تباكوا عندما ركبوا
حتى إذا ساروا وقد نزعوا *** من أضلعي قلبا بهم يَجِبُ
ألفيتني كالطفل عاطفةً ***فإذا به كالغيث ينسكب
قد يعجب العزَّالُ من رجلٍ ***يبكي ،ولو لم أبْكِ فالعجبًُ
هيهات ماكلُّ البُكا خَوَرٌ ***إني وبي عزمُ الرجالِ أبُ
**************************
هذا هو المرحوم الشاعر السفير الممنوع من دخول بلده بعيدا عن فلذات كبده
عمر بهاء الدين الأميري السوري
تعليقات