أنواع الإطناب في البلاغة العربية : حلقة 2( اللغة العربية )
النوع الخامس من أنواع الإطناب في البلاغة العربية ؛ بعد أن ذكرت في الحلقة الأولى عن أنواعه / الإيضاح بعد الإبهام ، وذكر الخاص بعد العام ، والتكرير ، والتذييل ...5- الاعتراضُ : وهو أن يؤتى في خلال الكلام أو بين كلامين متصلين في المعنى ؛ بجملة أو أكثر لا محل لها من الإعراب لفائدة زائدة ومن أمثلة القرآن الكريم : ويجعلون لله البنات ـ سبحانهُ ـ ولهم ما يشتهون ) فجملة سبحانه معترضة للمبادرة إلى التنزيه ، وقوله : فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسمُ ـ لو تعلمون ـ عظيم ،إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون ) وفي الآية اعتراضان هما / إنه لقسم عظيم ، والثاني ـ لو تعلمون ـ تعظيم القسم والتنويه برفعة شأنه .ومن الشعر قول كثير عزَّة : لو أنَّ الباخِلِينَ ـ وأنتِ منهم ـ رأَوْكِ تعلموا منكِ المِطَالا .وهو للوْمِها والتصريح بعتابها ، وكذلك قول عوف بم محلم : إن الثمانين ـ وبُلِّغْتَها ـ ** قد أحوجت سمعي إلى ترجمانِ... والاعتراض في البيت جملة دعائية أريد بها تعطيفُ قلبِ الممدوحِ.
6- الاحتراسُ من أنواع الإطناب البلاغية : ومعناه أن يؤتى في كلامٍ يُوهِمُ خلافَ المقصود بما يدفع ذلك الوهم ؛ نحو قول الشاعر طرفة بن العبد /
فَسَقَى ديارَكِ غيرَ مفسِدِها** صَوْبِ الربيعِ وَدِيمَةٌُ تَهمِي ؛ لما كان المطر مما يسبب الخراب أحيانا دفع هذا الوهم محترسا بقوله ـ غيرَ مفسِدِها ـ
7- من أنواع الإطناب أيضا التتميم : وهو أن يؤتى في كلام لا يوهم خلاف المقصود بفضلة كمفعول ، أو حال ، أو تمييز ، أو جار ومجرور ؛ لفائدة كالمبالغة في المدح كما في قوله تعالى : ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ؛ فإن إطعام الطعام على حبهم له وحاجتهم إليه أَدَلُّ على الكرمِ مما لو كان على غنى ، ومن الشعر نحو قول زهير في الكرم :
مَنْ يَلْقَ يومًا ـ على عِلاته ـ هَرِها ** يلقَ السماحة منه والندى خُلُقَا.وهذا تتميم للمعنى المراد ؛ كما تقول للشيء المستبعد / رأيته بعيني ، وسمعته بأذني ، وذقته بفمي لتأكيد المعنى وتقريره بالتتميم ، وفي القرآن أمثلة على ذلك نحو : فخرَّ عليهم السقفُ من فوقهم ؛ والسقف لا يَخِرُّ إلا من فوق ، ولكنه دلَّ بقوله من فوقهم على الإحاطة والشمول ، وكذك قول الحق سبحانه : ما جعل الله لرجلٍ من قلبين في جوفه . فإن القلب لا يكون إلا في الجوفِ وذكر الجوف مفردا تأكيدًا لنفي وجود القلبين ؛ لأن كلَّ قلب يحتاج إلى جوفِ واحد فمتى ثبت ذلك ثبت أن القلب واحد وهو من الإطناب البديع حتى لا يلتبس عليك بالحشو والزيادة ؛ فلا زيادة في قول الله ولا نقص ..
والكاتب في استخداماته الإبداعية يحتاج كاتبا كان أم شاعر أم متحدثا إلى الاطلاع والقراءة المتكررة في تراث العظماء من موهبته في باب الإطناب حتى يصير مثلهم ؛ وأفضل من ذلك أو قبله أن يتدبر آيات القرآن الكريم وما حوته من أنواع الإطناب المعجز لأهل اللغة العربية ليتعلم منه .
ونختتم موضوع الإطناب بالآية الأخيرة التي وضحت فيها نوع الإطناب السابع وهو التتميم ، وقول النابغة في هذا البيت :
نَفْسُ عصامٍ سَوَّدتْ عصاما ** وعلمته الكَرَّ و الإقْدَاما
......أتراه لو قال نفس عصام سودتهُ يكون قد جاء في مدحه بمثل ما تجده في الإظهار لتعظيم شأن الممدوح بالتتميم بذكر اسمه مرة بعد مرة حتى كأنما ذكر اسمه فخرٌ له وشرف كبير .. فكن أيها القاريء الكريم بليغا في كتابتك وفي قولك تفلح وتنجح وتحقق لنفسك التمكن من البلاغة العربية .
تعليقات