مراجعة وتدقيق لغوي الجزء 9 من رواية ( فيف لاكلاس)

الجزء التاسع لم تغمض عينيها تلك الليلة، و لم تعرف طعم النوم و هي تتقلب حينا و تنهض حينا لتتفقد الأطفال على الدكانة. فجأة و دون سابق إنذار و في يوم و ليلة انقلبت حياتها من امرأة سعيدة بما تقدمه لعائلتها و وطنها، إلى مسؤولة حائرة تتملكها الهواجس و الأفكار السوداء. بان فجر اليوم الثاني و سي الطاهر لم يظهر بعد و الهدوء يخيم على المكان و كأنه الهدوء الذي يسبق العاصفة. نهضت غالية، وصلت الفجر و دعت أن يكون زوجها على أحسن حال و ألّا يطول غيابه. دخلت المطبخ و أشعلت البابور ثم ذهبت لقن الدجاج في الركن البعيد من الحوش لتجلب بيضا تحضرّه فطورا للأطفال و فاطمة. سخنت الماء و وضعت فيه الحليب الجاف ليصبح غذاءً متكاملا و وضعت على الطبق قطعا من الخبز و البيض المسلوق. همت بأن تحمل الطبق إلى الغرفة لكن فاطمة كانت أسرع منها، حيّت هذه الأخيرة غالية، وعاتبتها: لماذا تتعبين نفسك يا خالتي، كنت سأحضّر كل هذا بنفسي، فقط تأخرت لأنني كنت أنظف المستوصف. يا الله ما أروعك يا فاطمة! أسرت بها لنفسها ثم قالت: حسبت أنك نائمة، شكرا يا ابنتي، حماك الله. ابتسمت فاطمة و أرادت أن تسألها إن استجدت أخبار عن سي الطاهر، لكنها أحجمت حتى لا تثير المواجع. الساعة الثامنة صباحا، موعد فتح المستوصف. ارتدت غالية مئزرها الأبيض و خرجت من السقيفة لتستقبل المرضى الذين تجمعوا في الزنقة أمام المستوصف. و كالعادة تساءل بعضهم عن غياب الحكيم؛ و كالعادة أجابت غالية إنه مريض في البيت. و لكن إلى متى سيصدق الأهالي مرض سي الطاهر؟ يا رب، يا رب، كن عوني و لا تخذلني و رد لي زوجي سالما، أطلقت زفرة عميقة، ثم ابتسامة عريضة و نادت أول مريض. ماذا لو جاء الجندرمة و وجدوها تفحص المرضى عوضا عن زوجها؟ أكيد سيكتشفون الأمر نادت غالية المريض الرابع، وكان شابا يافعا لا تظهر عليه أعراض المرض. سألته: "مِمَّ تشكو يا بني؟" همهم الشاب ثم همس إلى غالية: "أنا بوجمعة، "أرسلني سي الطاهر من الجبل، يقول لك إنه بخير و لكنه بقى هناك لأن حالة الشيخاوي حرجة و سيعود حال تعافي المريض". نظرت إليه و قلبها يكاد يخرج من بين أضلعها و أشارت عليه أن يتبعها. دخلت غالية و الشاب إلى الغرفة الداخلية من المستوصف و جلست على كرسي هناك و سألت الشاب أن يعيد ما قاله منذ قليل و يوضح لها الأمر أكثر. أعاد بوجمعة على مسمعها الكلام نفسه ثم ختم: "سيدتي إنّ سي الطاهر يسألك أن تعطيني ضمادات و حُقَنا ومطهّرا و بعض حبات الكينا". لم تصدق غالية أن زوجها بخير و راحت تجوب المستوصف لتضع ما طلبه سي الطاهر في حقيبة بلاستيكية صغيرة و أعطتها الشاب الذي ما زال ينتظر في الغرفة الداخلية. أقبلت غالية على باقي المرضى و هي سعيدة تبتسم و تكلمهم بكلام جميل و تواسيهم و تمزح مع مريضة المستشفى الدائمة و هي عجوز في السبعين من عمرها تأتي كل يوم إلى المستشفى تطلب حبة كينا لأن رأسها يؤلمها و الكينا أحسن دواء لها، حسب رأيها.. حتى أن سي الطاهر كان يمازحها بجملته المعتادة: لو شربت كأس شاي معتق لخف الوجع. داعبتها غالية و رددت كلام الحكيم نفسه، فضحكت المريضة و انصرفت. أغلقت غالية المستوصف و عادت إلى البيت و أسرعت تخبر فاطمة بما حصل معها. ثم جلست مع الأطفال على المائدة تأكل بشهية ما أعدته فاطمة من طعام.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )