ما ذكره علماء البلاغة عن مضمونها (3)

ألفَ العالم العربي ثعلب كتابا أسماه مجالس ثعلب احتوى كثيرا من فنون البديع وضع فيه قواعد تأليف الشعر أسبق من قولعد تأليف النثر فنون البديع ، وقد ظهر ثعلب مع ابن المعتز في زمان واحد في القرن الثالث الهجري وأشارا إشارات متعددة لجمع الألوان وجاءت تعريفات ثعلب لغوية تختلف عن تعريفات ابن المعتز الاصطلاحية ، ومن بينها : ذكر الإيغال وسبق به غيره من العلماء ، وذكر الترصيع ووضعه تحت اسم الأبيات المُوَضَّحة ، وذكر الإفراط في الصنعة تحت اسم الإفراط في الإغراق وأخذها منه ابن المعتز باسم المبالغة ، وقد جدد ثعلب في إئتلاف القافية ، وجعل ألوان البدبع نعوتا للشعر ولم يُسَمِّها بديعا ؛...* أما ابن المعتز فكان أوَّل من سمَّى منهج البلاغة ووسائل تحسين الأسلوب الأدبي وسبقه العلماء في التحدث عن ثلاثة عشرَ نوعا من ثمانية عشر تكلم عنها ابن المعتز في مؤلفه . *** قُدَامةُ بن جعفر :
كانت نظريته تُعْنَي بائتلاف اللفظ والمعنى والقافية وبالالتحام والانسجام ، وكان يفضل الغُلُوّ وله الفضل في نظرية تلازم المعنى مع مقتضى الحال ، وكان كلامه مختصرا يمزج فيه النقد بالبلاغة ، وتكلم عن 19 لونا من علم البديع توارثها مع ابن المعتز وهي ليست من جديده ، إلا بعض التقسيمات والتفريعات وتغيير الأسماء ولم يفرد لها بابا خاصا في مؤلفه ...***ثم جاء أبوهلال العسكري وكان متأثرا بالجاحظ ؛ يخلط النقد بالبلاغة ويكثر من الشواهد ويقلل من القواعد ، وتحددت عنده كلمة البديع نوعا ما وهو الذي جعل مباحث البلاغة ثلاثة : البيان ، والمعاني ، والبديع فأخذت صفة التقسيم لأول مرة ، وأخرج منها أنواعا عدَّها غيره من البديع كالإيحاءِ والمساواة ، وجعل التشبيه بذرة لعلم البيان ، وعد الاستعارة من البديع ، وتكلم عن السجع والازدواج من البديع عنده وحسن الابتداء والمقاطع وورثَّ ثلاثين لونا من الألوان جدد في سبعة منها وهي : المجاورة ــ المضاعفة ـ التطريز ـ المشتق وسماه التلطف متأثرا بقدامة ـ التشطير ؛ وهو ليس ببعيد عن مزدوج الكلام للجاحظ .ـ والاستشهاد ـ والاحتجاج؛ وهو لا يخرج عن التشبيه .** ولم يُرِدْ بتقسيم البديع تمزيقه بل أثر لمُطَوِّر البلاغة بعده. وكان يجمع بين المتشابه تحت باب واحد ، ويفردُ للمختلف أبوابه الخاصة وحَسُنَ تأثره بابن المعتز وقدامة ؛ فأخذ في حشد الأمثلة من القرآن والحديث النبوي والشعر والنثر ؛ والإبداع عنده أو البديع هو : إتيان الشعر بالمعنى المستظرف وكان يفرق بين : الاختراع وبين الإبداع ؛ فالأول صفة للمعنى ، والثاني صفى للقظ .***** ثم جاء ابن سنان الخفاجي :
في كتابه سِرُّ البلاغة فكان امتدادا لقدامة متأثرا به يسرد الألوان لفظية ومعنوية وينزع بالبديع منزع الحُسْنِ الذاتي ، وعلى هذه الطريقة تكلم عن الألوان مثل :المناسبة في قسمين ؛ بين الألفاظ والألفاظ من جهة المعنى ، وبين اللفظين من طريق الصنعة ، وعرض لتحديد السجع والازدواج وحكمه وهذا من جديده ، وخالف أباهلال العسكري في التصريع والجناس ، ومن جديده الاستدلال بالتعليل وذكر الآية : ( ولو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ). وهو يجعل البديع شاملا لألوان البلاغة الثلاثة ولم يتكلم عنه تحت اسم البديع ، وتناول فصاحة اللفظة الواحدة واشترط لها شروطا ثم أخذ يذكر صفات الفصاحة في الألقاظ المؤلفة ومنهجه في تقسيم الأوصاف امتداد لمنهج فدامة . ***** البلاغي العالم عبد القاهر الجرجاني : يريد بالبديع الجديد والحسن والطريف أنَّ الحُسنَ ليس من جهة المعتى ، فهو لم يزد عمن سبقه في الألوان بل لم يحصر كل ما جاءوا به ، ولكن دراسته الخاصة جعلت فهمه للبلاغة يخالف فهمهم وبديعهم ؛ فالتحسين اليديعي عنده ذاتي لا غرضي ، وتكلم عن التجنيس والسجع والحشو المفيد وغير المفيد ، وعن الاستعارة والمجاز وتقسيماته وكذا التشبيه والتمثيل وفرق بينهما فالأول أعم من الثاني ، وحسن التعليل وجعل كل هذا في أسرار البلاغة وخرَّج في فضل النتائج أسماها حُلِيّ الشعر والبديع عنده تمام الحلي وهو بشمل البيان والمعاني * ثم ظهر أسامة بن منقذ وكان له فضل الجمع والتنويع والتفريع وتسمية اللون بعدة أسماء ، وتكلم عن الإشارة والكناية والحشو وكرر أسماء المسميات : الأسهاب والإطناب ، والاختصار والمساواة كلون بديعي وقاعدة نقدية . **** السَّكْاكي : ومنه سلكت الألوان البديعية طريقا فلسفيا منطقيا فجمدت البلاغة لسوق الأمثلة التقليدية ، وكان لنشأته كيد وطلبه للعلم لا من أجل العلم بل ليصبح من طبقة العلماء وهذا ما أثَّرَ في جمود البلاغة ، وأتم ما بدأه قدامة من تقسيم الألوان إلى معانٍ وبيان وبديع ، وسماها المحسنات وتكلم عن المعنوي منها كالمطايقة وعن اللفظي كالتجنيس ورد الأعجاز على الصدور ، ولم يغلق الباب على من يجيء بعده ليزيد ، ثم قصر البلاغة على علمي البيان والمعاني ، وتناسى ما قد يكون للبديع من تحسين الكلام وتوشيته . =========== وللبحث بقية وخاتمة سوف نتحدث عنها في المساهمة التالية بإذن الله .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )