أسلوب الذكر والحذف في البلاغة العربية : لغة عربية

إذا قلتَ : رأيت فارسا ملثما يركب جوادا يركض اليوم في الصحراء .وأنتَ تريد أن تدل السامع هلى هذا المعنى كاملا ، لا يجوز لك أن تحذف لفظا من هذه الجملة ؛ إذ لا يمكن معرفة معناه إذا حذف . وإذا سئلتَ : وأين ذهب الفارس بعدُ ؟ فقلت : الفارس عاد إلى قصره . كان من الجائز أن تحذف المبتدأ للعلم به من قرينة السؤال ، وتقول : عاد إلى قصره .فأيهما أفضل وأبلغ في الأسلوب في مثل هذه الحالة ؟ الذكر أم الحذف ؟ : ذكر البلغاء أحيانا مايجوز أن يُسْتغنى عنه ، وحذفوا ما لا يوجد مانع من ذكره فرجحوا الذكر أحيانا والحذف أحيانا لأسباب بلاغية اقتضتْ ذلك .ونضرب أمثلة لحذف المبتدأ من الشر نحو قول لشاعر : سأشكر عَمْرًا إن تراخت منيتي = أياديَ لمْ تمننْ وإن هي جلتِ ...فتى غير محجوب الغنى عن صديقه = ولا مظهر الشكوى إذا النعلُ زلَّتِ ، والمعنى في البيت الثاني يريد : هو فتى وأكثر ما يكون ذلك حين يبدأ الكلام بذكر شيءٍ ويقدم بعض أمره ، ثم يدع الكلام الأول ويستأنف كلاما آخر . ، ويحذف المبتدأ لانتهاز الفرصة نحو قولك للصياد : غزالٌ ... تريد هذا غزال وفي ذكر المبتدأ تفويت لمفاجأته بالصيد ، وكقولك لمن تحذره الدنو من خطر سيصيبه : ثعبان ...فقد حذفت المبتدأ وهو هذا ثعبان فاحذر . * حذف الفاعل : حين لا يتعلق الغرض بذكره ، كما في قوله تعالى : ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وَجِلَتْ قلوبهم ، وإذا تليتْ عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون ) ، فقد بُنِىَ الفعلان ( ذُكِرَ ) و ( تُلِيَ للمجهول ؛ لعدم تعلق الغرض بشخْصَيْ الذاكر والتالي .ومثل قوله تعالى :( فإذا قُضِيَتْ الصلاةُ فانتشروا في الأرض .) إذ المعنى قضيتم ، ولا حاجةَ لذكر الفاعل لأنه معلوم . * وقد يكون الحذف للجهل به ؛ كأن ترى مدرسةً في إحدى القرى فتقول مُخْبِرًا : بُنِيَتْ في قرية كذا مدرسة ، لأنك لا تعلم الباني أو يكون للخوف منه ، أو عليه أو إشفاقا عليه .كما تقول : قُتلَ فلان .فلا تذكر القاتل وهبة منه أو إشفاقا عليه . الموضع الثالث للحذف يتعلق بحذف المفعول به : حين تريد وقوع الفعل بقطع النظر عما يتعلق به نحو قوله تعالى : قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) إذ المعنى : هل يستوي من لا علم له ، ومن له علم ،بقطع النظر عن أن يكون المعلوم طبًّا أو حسابا ، أو تاريخا مثلا . ومن مواضع الحذف لعدم الضرورة إلى ذكر المفعول والاهتمام بالفعل نفسه : قولنا في الوصف لفلان : فلان يُعطي ويمنع ، أو : يضر وينفع .أنت تريد هنا : إثبات الأفعال في عمومها فقط ، ولو قلتَ : يعطي المساكين ، أو يعطي الذهب . لكان في قةلك قصر للعطاء على حالة مخصصة وكأنك ترد بذلك على من ينكر أنه يعطي المساكين أو أنه يعطي الذهب لأنك تريد إثبات العطاء في عمومه وشموله وهو ما أردته بمدحك . ============== والله أعلم

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )