تدقيق لغوي : رواية / أ . منيرة الفهري (23)

الثالث والعشرون تسحّب سي الطاهر بخطى وئيدة و سأل رجلا كان هناك عما يحدث. لم يتعرف عليه الرجل و أجابه في شبه همس: "الخالة محبوبة احتجزت ابنة الجزار عندها مدعية أنها حياة ابنتها التي غرقت في البئر, تصور..." إذًا فالأمر يتعلق بالخالة محبوبة؟ مسكينة هذه المرأة لم تستوعب موت ابنتها بتلك الطريقة رغم مرور وقت ليس بالقصير على الحادثة. ليته يستطيع مساعدتها. كم هو مشفق عليها.. و تذكر كيف أنها كانت تبقي خديجة ابنته عندها لِساعات طوال و تشتري لها الحلوى و اللُّعب، و حمد الله أن الأمر مرّ آنذاك بسلام. انتبه على صوت أحد الجندرمة يأمر الناس أن يتفرقوا. نظر نحوه فإذا هو يمسك طفلة في العاشرة من عمرها ثمّ يعطيها لِأمّها التي كانت تصيح و تولول. احتضنت الأم ابنتها و التفّ حولها أطفال صغار, يبدو أنهم إخوتها. أما أبوها، و قد تعرف عليه سي الطاهر، فقد أمسك الطفلة من يدها و هو يلعن و يشتم . و سار الجميع نحو القرية و هدأ الحي و انسحب منه الأهالي الذين كانوا قد تجمهروا أمام المستوصف. و كم فرح الحكيم أنه لم يجد زوجته و لا فاطمة بين الأهالي المتجمهرين في الحي رغم ساعة الصباح المبكرة، و قد تذكر أمره لهما ألّا يخرجا من البيت مهما حصل. فتح سي الطاهر باب السقيفة و عرّج يتفقد "عمّي عمر". وجده غارقا في نومه، فأخذ الغطاء الذي كان تحت رجليه و أسدله عليه تحسّبا لبرد مفاجئ. ثم دخل البيت لِيجد زوجته و فاطمة منكبتين على سالم و قد اشتعل جسمه حمّى. جلس الحكيم يفحص سالما بعد أن أفشى السلام. قالت له فاطمة: سِيدي منذ الأمس و سالم على هاته الحالة و قد فعلت خالتي ما في وسعها. احتضن سي الطاهر ابنهُ و سأل غالية إن كانت أعطته حبة الكينا. أجابت أنها كلما أعطته الحبة يخرجها و هو يبكي و يقول : مُرّة, مُرّة . حينها قام سي الطاهر و أخرج من حقيبته حبة الكينا و سقاها سالما قسْرا مع كوب من الماء قائلا: ستتحسن بعد سويعات قليلة بإذن الله يا بنيّ. ثم نظر إلى غالية وقال: ستبقى معه فاطمة، أما أنا و أنت فسنزور الخالة محبوبة فهي في أمس الحاجة إلينا، اصحبي معك خديجة فهي تحبها كثيرا. طرقت غالية الباب الذي كان شبه مفتوح لكنها لم تتلق إجابة. قالت منادية: أختي محبوبة، أختي محبوبة...لكن لا أحد يجيب. أشار عليها سي الطاهر أن تتقدم..و هناك سمعا بكاء و أنينا يمزقان القلب..و رأيا الخالة محبوبة ممددة في الحوش و هي تنتحب. فتحت محبوبة عينيها و لما رأت سي الطاهر و غالية و خديجة قربها سكتت قليلا و جففت دموعها و بحركة سريعة احتضنت خديجة و عاودت البكاء...بكت كثيرا و غالية و سي الطاهر لا ينبسان ببنت شفة..بكت محبوبة وهي تحتضن خديجة ثم سرعان ما هدأت و نامت مسندة رأسها على ركبتي غالية. حينها تسحبت غالية و خديجة و سي الطاهر و تركوها نائمة و قد غطوها بلحاف كان على حبل الغسيل. كانت الساعة تشير إلى السابعة صباحا عندما دخل سي الطاهر المستوصف و لبس مئزر العمل. -ابني ابني ابني يا حكيم كانت امرأة في مقتبل العمر تحمل ابنها الذي لا يتجاوز السنتين من العمر و هي تبكي و تطلب النجدة. حمله عنها الحكيم و سألها مابه فقد كان الطفل لا يتحرك. قالت إن زوجها اشترى لها صبغة شعر من السوق فأكل ابنها حبة منها و هو يحسبها حلوى. و في الحين صلبه سي الطاهر و وضع إصبعه في فمه في محاولة ليتقيأ الطفل. كانت غالية هناك فجرت بكأس حليب فيه سمن و أعطته للطفل الذي بدأ يتحرك ثم يتقيأ و يبكي. تنفس الحكيم الصعداء و أعاد الطفل إلى أمه قائلا: سيفحصه الطبيب "سي محمد علي" بعد قليل. لا تخافي فقد تجاوز مرحلة الخطر بحول الله. يتبــــــع تعقيب من المدقق اللغوي / محمد فهمي يوسف : كفاح لشعب شقيق يمثله عدد من الشخصيات الأساسية بإتقان فنانةٍ روائية للأحداث المتشابكة فيها من الأبطال الأساسيين ــ كما ذكرت الأستاذة ناريمان لشريف ــ إنها الأستاذة : منيرة الفهري متقنة اللغة العربية . فما لحظت غير بعض الهفوات التي نبه إليها غيري كوضع أقواس على ما يخرج عن اللغة الفصحى ؛ التي التزمت بها المؤلفة القديرة المكافح البطل ( سي الطاهر ) في حرب المحتلين الأجانب من ( الجندرمة ) صلب الرواية في البطولة وضبط النفس وزوجته المعاونة له ومعها فاطمة كبطلتين مكافحتين معه . فريق ( الفلاقة المتحصنين بالجبل ) من شعب تونس ( كأبطال ثانويين في الرواية ) خبرة طبية ومهارة جهادية وعشق ووطنية ومحبة إلهية غرست في قلب هذه لأسرة من تونس الحبيبة . أعتقد بمشاعر مصرية أن تونس تحررت فعلا من المحتل المعتدي . إلا إذا جاءت أحداث جديدة في بقية الرواية التي ننتظر أن توافينا بها الروائية الكريمة الأستاذة منيرة الفهري .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )