تدقيق لغوي : رواية أ. منيرة الفهري (22)

"فيف لا كلاس": (Vive la classe). الجزء الثاني و العشرون انتبه الحكيم إلى أن الرجل ينزف و لا يقوى على الكلام فأسرع إلى الخرج فوق حصانه و أخذ معه حقيبة الدواء التي تصحبه دائما داعيا الله ألّا تكون فاطمة قد نسيت شيئا من معدات التمريض. الحمد لله, وجد كل ما يحتاجه. دعا لفاطمة بالصلاح و اقترب من الشيخ و بدأ يفحصه و يحاول وقف النزيف. الحمد لله أن الإصابة كانت على مستوى رجله اليمنى. حقنه بعد أن غسل أطراف الجرح بماء ثم طهّره بمعقم و ضغط على مساحة الجرح بضماد طبي كان معه في الحقيبة و بقي ينتظر النتيجة و الشيخ لا يتحرك، بل فقط يئن أنينا خافتا. تمدد سي الطاهر على الأرض ليأخذ قسطا من الراحة التي أُجبر عليها، فهو لا يستطيع ترك الجريح لمصيره و مواصلة السير. أخذ يفكر في حالة الشيخ و كيف يسكن وحده في هذا الكوخ المنزوي و المحاط بالمخاطر. ترى ما هي حكايته؟ أين أولاده؟ و كيف أصيب بمثل هذا الجرح العميق؟ من فعل به هذا؟ قد يكون أحد قطاع الطرق؟ وقد يكون أحد الجندرمة الفرنسيين؟ أحس الحكيم بانقباض في صدره، لقد تأخر في مهمته هذه المرة وليس من عادته هذا. لا شك أن المقاومين في الجبل ينتظرون العتاد الذي سيمدهم به، لكنه لا يستطيع ترك الجريح على هاته الحالة. ماء.. ماء.. الحمد لله هذا الشيخ قد أفاق من غيبوبته. اقترب منه سي الطاهر وأسنده إليه ليسقيه ماء، و قال بصوت خافت: لا تخف أنا ممرض القرية. من حسن الحظ أنني مررت من هنا. و قد حقنتك و إن شاء الله ستتحسن حالتك. نظر إليه الشيخ وحاول الكلام لكنه لم يستطع. تفقد الحكيم الجرح و تنفس الصعداء، لقد بدأ النزيف يتوقف إلا من بعض قطرات دم ساخنة تنساب على أسفل رجله اليمنى. بدأت الشمس تتهيأ للمغيب و بدأ الشيخ يكف عن الأنين و قد أخذته سِنة من نوم متقطع. لقد تأخر الوقت و احتار الحكيم ماذا سيفعل: أ يواصل سيره ويترك الجريح وحده في الكوخ؟ أم يبقى معه ولا يعلم متى يتعافى ولو قليلا؟ نظر إلى الشيخ مليا فوجده نائما لكنه يبدو خائر القوى. قرر الحكيم أن يمتطي حصانه ويتمّ مهمته. لكنه توقف معاتبا نفسه: ماذا لو لدغته عقرب وهي كثيرة في الجبل؟ ثم ماذا لو هاجمته الذئاب وهو ضعيف الحال لا يقوى على صدها؟ وفجأة أخرج حبلا كان يضعه في الخرج وحاول أن يحمل الجريح على ظهره لكنه لم يستطع. جلس حزينا و بقي ينتظر. و يبدو أن الحكيم نام لأنه استيقظ على صوت الشيخ يسأله من أنت و ماذا تفعل هنا. لم يرد سي الطاهر و لكنه سعد كثيرا بهذا السؤال و قال له مبتسما: هيا ساعدني ليس لدينا الكثير من الوقت. و أشار له أن يحاول النهوض ليردفه على الحصان و يشده بالحبل وراءه لأنه لم يكن متأكدا أن الشيخ لن يغيب عن الوعي مرة أخرى. عندما انطلق الحصان بالرَّجُلَيْن كان الليل قد أسدل ستاره على الجبل. الحمد لله أن الحكيم يعرف الطريق و إلّا لَتَاهَ في هذه الظلمة الحالكة. لم يكن في المغارة ضوء؛ فترجل سي الطاهر و قال في شبه همس: "فيف لا كلاس": (Vive la classe). و في لمح البصر فُتِح باب المغارة و هو عبارة عن حجر كبير و خرج منها ثلاثة رجال و هم يشبرون ببنادقهم و يتعرفون على القادم في جنح الظلام. ساعد الرجال الشيخ في النزول عن الحصان و أخذوه إلى داخل المغارة بعد أن شرح لهم سي الطاهر حالته. ترك الحكيم الجريح في عهدة الفلاقة و نزل من الجبل متجها نحو القرية مع انبلاج الصبح. حركة غير عادية في الحي الذي يسكنه سي الطاهر فالجندرمة يطوقون كل الحي مدججين بالسلاح و متهيئين لكل شيء. خفق قلب الحكيم: ماذا حصل لعائلته؟ هل اكتشف الجندرمة مهمته؟ ماذا يفعل الآن؟ ترجل و ربط الحصان بعيدا عن الحي و قرر أن يواجه الأمر، كلّفه ذلك ما كلفه! يتبع

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )