مقاييس نقد الأسلوب في اللغة العربية / ( لغة عربية )

للنقد الأدبي والنقد المقارن مدارس قديمة وحديثة أسسها علماء العرب البلاغيون والأدباء وألفوا لها العديد من الكتب الموضحة لمقاييس الأدب العلمية الأكاديمية الصحيحة ، وهذه المدارس عنيت برقي الأساليب في اللغة العربية بالإضافة إلى وجود وجهات النظر الذاتية للمثقفين ونظرتهم إلى جمال الأسلوب وصحته في الكتابة العربية مستندين أو غير مستندين إلى مصادر علمية أكاديمية للمتخصصين في هذا المجال .**** ولقد اخترت نموذجا مصورا من النقد القديم للشعر العربي عند شاعر معروف هو النابغة الذبياني لبيان مقياس الخطأ في قوله لهذا البيت : فإنك كالليل لذي هو مدركي == وأن خِلتُ أن الملتقى بك راسخُ *والمعنى / أنه لا مهربَ من النعمان الذي يستطيع الوصول إلى الشاعر مهما بعد عنه ؛ فمثله كمثل الليل لابد أن يدرك كل بقعة من الأرض ؛ والنقد هنا لأن النهار مثل الليل في ذلك الأمر ..فلماذا اختار النابغة كلمة الليل بالذات ؟ ولم يذكر النهار ؟ ثم نتكلم عن تحديد المتخصصين في النقد الأدبي للشعر والنثر لهذه المقاييس التي عابوا بها أصحابها لخطئهم في صياغتها ومنها : 1- دراسة المفردات ، ومعانيها واختيار أدقها للأسلوب الذي ينشئونه في أشعارهم أو كتابتهم النثرية وأطلقوا عليه :( دِقَّة الأسلوب ) *** ومثال ذلك موضحا من الشعر : قول الشاعر : لمَّا تَذَكَّرْتُ باليرين أرَّقَني == صوت الدجاج وقرعُ النواقيسِ قال النقاد بعدم دقة أسلوبه في اختيار كلمة ( أَرَّقَنِي ) مع استخدام ( صوت الدَّجاجِ وقَرْعُ النواقيس ) في الشطر الثاني للبيت ؛ فإن الأرقَ يكون أول الليل ، بينما صياح الدجاج والديكة وقرع النواقيس يكون في آخر الليل . مثال آخر : عاب النقاد قول الشاعر في عدم دقة الألفاظ قوله :استأثر الله بالوفاءِ وبا == لْعَدلِ وولى المَلامةِ الرجلا ؛ وكان يحسن به لو قال ( الإنسانا ) بدلا من الرجلا لأن لوم الله في خطإ عدم الوفاء الذي ينبغي على الإنسان وليس على الرجل فقط . 2- مقياس الإيحاء : عدم الإشارة إلى المعنى بوضوح ؛ يقول الشاعر :أيحاء كلمة ( غلام ) بالمعنى اللغوي المفهوم من بيت الشاعر في مدح الحجاج بن يوسف ؛ **** إذا وردَ الحجاج أرضًا مريضةً == تتبَّع أقصى دارها فشفاها *** شفاها من الداءِ العُضَالِ الذي بها == غُلامٌ إذا هزَّ القناةَ سقاها .... ومن نقدهم في هذا المقياس أيضا : يني عدم الدقة في المفردات إذا لم تكن مصورة بجرس حروفها في البيت لصعوبته مثل قول الشاعر : وأَمْواهٌ تصِلُّ بها حَصَاها ==صليل الحليِ في أيدي الغواني .... 3- مقياس السهولة والإدارك السريع لفهم الألفاظ في البيت نحو قول الشاعر :غدائر مستشذرات إلى العلا .... 4- مقياس الأُلْفَةِ : ومنه قسمُ القلقشندي المبتذل إلى ما لم تغيره العامةُ عن موضعه النفسيِّ يعني ماكان دالا إلى معنى فغيرته العامة لغيره ؛ نحو قول الشاعر : وأصبح مبيضَّ الضريب كأنه == على سروات النَّبْتِ قطنٌ مندَّفُ ... وكذلك قول ابن المعتز في هذين البيتين : صليني وهذا الحُسْنُ باقٍ فربما == يعزل بيت الحسنِ منه ويكنس **** وقوامي مثل القناةِ من الخط == وخدِّي من لِحْيَتي مكنوس . مقياس الشَّاعرية : في اللفظة واختيارها مثل قول الشاعر : وتقول بَوْزعُ قد دببتَ على العصا == هلا هَزِئْتِ بغيرنا يا بوزعُ ؟!!، ومنه ذكربعض أسماء الأماكن الغريبة غير المعروفة للقاريء في التشبيهات الشعرية للبيت الشعري مثل : حبّذا ليلتي بِتَلِّ بوني == حين نسقى شرابنا ونغني 5- مقياس الاستعمال : ينبغي أن تكون الألفاظ مستخدمة ومستعملة في أفواه المخاطبين وأسماعهم وإلا انتقد الأسلوب نحو قول الشاعر : ترافَعَ العِّزُّ بنا فارفنقعا == تقاعس العِزُّ بنا فاقعنسسا ، ومثل قول الآخر : تلاعب نينان البحور وربما == رأيت نفوس القوم من جريها تجري . 6- مقياس الإفادة : مثل قول الشاعر : بوُدِّدي لو يَهوَى العزولُ ويعشقُ == فيعلم أسباب الهوى كيف تعلقُ ؛ وربما غفر النقاد إيرادمثل هذا الترادف ، ولكن الأفضل من وجهة نظرهم تركهُ لعدم الفائدة . 7- مقياس التكرير : يستحسن عدم تكرار اللفظة في البيت الواحد بغير سبب ؛ كقول القائل : وقالوا أتبكي كلَّ قبرٍ رأيته == لقبر ثوى بين اللوى فالدكادك ... فقلت لهم أن الأسى يبعث الأسى == دعوني فهذا كله قبر مالك . ومثل قول الشاعر : فما للنوى جَزَّ النوى قطع النوى == كفاك النوى قُطَّاعُهُ لِوصَال . 8- مقياس رقة اختيار اللفظة للتعبير عن معناها في استعمال المتكلم أو الأديب لها : مثل استخدام القفا في الهجاء والقذال في المدح فيعكس ذلك فيعاب ... 9- مقياس حروف الصلات : يعاب على القائل مثل : ويسعدني في غمرة بعد غمرة == سبوح له منها عليه شواهد 10- مقياس الاشتراك : في احتمال المعنى وغيره يعاب ذلك ؛ مثل : لو كنتُ أعلمُ أنَّ آخر عهدكم == يوم الرحيل فعلتُ مالم أفعل *** وكذلك نحو قول الآخر : وقمنا فقلنا بعد أن أفرد الثرى == به ما يقال في السحابة تقلعُ ... معيب . 11- مقياس الاصطلاحات في الشعر كقول القائل : يا شتات الأسماء والأفعال == بعد موت ابن مالك المفضـــال .. ثم نذكر بعض مقاييس دراسة الجملة قبل استخدامها في الأسلوب حتى لا يعيبه النُّقاد فنقول وبالله التوفيق : 1- مقياس النحو في الكلام وصحته ودقته وعدم غرابته :فيعاب مثل : وعضَّ زمانٌ يابن مروان لم يدعْ == من المال إلا مسحتا أو مجلف ؛ .... ومثل : وكان عبد الله مولى هجوته == ولكن عبد الله مولى مواليا . 2- الانسياب في سهولة ويسر مقياس الفصاحة وغيره معاب في نقد الجمل في الأسلوب نحو قول الشاعر :وقبر حرب بمكان قفر وليس قرب قبر حرب قبر 3- مقياس الوضوح : وإلا يعاب الكلام عند النقاد نحو قول القائل : أنَّى يكون أبا البرايا آدم == وأبوك والثقلان أنت محمد ؟!وقول الآخر : وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه == بأن تسعدا والدمع أشفاه ساجمه ..... 4- مقياس القوة في الخيال والكلمات والطريقة في تركيبه وعلم المعاني لكل ٍّ : مثل : بكرا صاحبيَّ قبل الهجير == إن ذاك النجاح في التبكير ، وقول الآخر : إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتا دعائمه أعز وأطول 5- مقياس المحسنات البديعية : مثل قول الشاعر ما مات من كرم الزمان كأنه == يحيا لدى يحي بن عبد الله ..، وما يأتي في الصنعة اللفظية من عكس وطرد ؛ بمعنى قراءة البيت من أوله كما يقرأ من آخره يعاب عند بعض النقاد نحو قول الشاعر : مودته تدوم لكل هول وهل كل مودته تدوم ؛ واحتج البعض الآخر من النقاد على هذا المقياس في عيبه وقالوا : لايعاب فقد ورد في القرآن الكريم ما يشبهه في جزء من آية المدثر قول الله تعالى ( و (ربَّك فكبر ) فإنها تقرأ من الأول أو الآخر إذا أفردت حروفها .وكذلك اختلفوا في عيب التقابل بين الجمل أو تحسينه من أجل هذا المقياس ؛ مثل قول الشاعر : فأحجم لمَّا لم يجد فيك مطمعا == وأقدم لما لم عنك مهربا . 6- مقياس التلاؤم بين اللفظ والمعنى : نحو قول الشاعر في المدح : يا أبا جعفرٍ جُعِلْتُ فِداكَ -- فاق حسن الوجه حسن قفاك ؛ وعابو أيضا في نفس الغرض قول الآخر : جاد بالأموال حتى == حسبوه الناس جمقا 7- مقياس المؤاخاة بين الألفاظ فعابوا : وقد صارت الأجفان قرحا من البكى == وصار بهارا في الخدود الشقائق ، ومما عابو قول الشاعر : ألا ياابن الذين فنوا وماتوا == أما والله ما ذهبوا لتبقى .... ومالَك فاعلمنّْ فيها مقام == إذا استكملت آجالا ورزقا . 8- مقياس الطبيعة والتثقيف والتكلف والصنعة : مما يعاب عند النقاد قول الشاعر : ذهبت بمذهبه السماحة فالتَوَتْ == فيه الظنون أمذهبٌ أم مذهبُ 9- مقياس وحدة النَّسج : عاب النقاد قول الثعالبي في بيته القائل : أتُرَاهَا لكثرةِ العُشَّاقِ == تحسب الدمع خَلْقُه في المآقي ... كيف ترثي التي كل جفنٍ == راءها غير جفنها غير راقِ. ========================== وهذا قليل من كثبر مما قرأته في مقاييس النقد عند النقاد القدامى والمحدثين ، حتى أن البعض كان يرفض نقدهم على أنهم يخطئون أو بعضهم أحيانا في وضع بنود قياسم للأدب العربي ، بدعوى أنهم لم يقرأوا ما بطون الشعراء من أهداف ومعان يقصدونها . والمعروف أنه فوق كل ذي علم عليم . والله أعلى وأعلم بالصواب

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )