معنى البلاغة وتقسيمات فروعها الحلقة (4) من البحث

كان للمؤرخ المعروف عز الدين بن محمد الشيباني المعروف بابن الأثير جهد غظيم في كتابه ( الكامل في التاريخ ) في التوضيح والتنويع والتفريق بين المشتبه من الأنواع بأسلوب أدبي رائع ، وانتهت الألوان عنده بتقسيمها إلى لفظية ومعنوية متأثرا بالسكاكي ، وأورد البديع عرضيا أو جزئيا وسمى بحوثه بالبيان وهو مسبوق لذلك ، ونزعته نقدية تطبيقية وعقد موازنات بين الأدباء ، و لم يصل للدرجة التي يقال معها أنه طور البلاغة أكثر ممن سبقه فقد جعل الفصاحة راجعة للألفاظ ، والبلاغة راجعة للمعاني...*أما الخطيب القزويني فقد كان من علماء البلاغة ألف كتابا أسماه ( الإيضاح في علوم البلاغة ) قال فيه : ( إن الفصاحة والبلاغة مختلفان في المعنى وجعل كلا منهما تقع صفة لمعنيين : كلامٌ ومتكلم ؛ فالقصيدة كلام فصيح أو بليغ ، والمتكلم مثل شاعر فصيح أو بليغ ؛ فالفصاحة خاصة تقع للمفرد فيقال : كلمة فصيحة لا بليغة ، وذكر أن البلاغة هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته ، ومقتضى الحال يختلف في مقام عنه في آخر ، وهو كلام قريب من كلام عبد القاهر الجرجاني ، وهو تآخي معاني النحو ؛ فكل فصيحٍ بليغٌ ولا عكس ، ويرجع البلاغة إلى الاحتراس من الخطأ في تأدية المعنى المراد ، وتمييز الكلام الفصيح من غيره ، وجعل مصطلح البلاغة يشمل الألوان الثلاثة ( معاني وبيان وبديع )وهي نظرة محمودة وإيجابية .**** ثم جاء الإمام يحي بن حمزة بن علي بن إبراهيم العلوي اليمني : فنهج منهج ابن الأثير في نظرته للبلاغة ولم يزد شيئا عمن سبقه ، وكل هذه التعاريف قاصرة ليست جامعة أو مانعة بلغة المنطق . ونختتم البحث بذكر أمثلة لهذه الإشارات والتلميحات إلى فروع البلاغة كما استقر عليها علماء البلاغة الذين أوردت عنهم البحث مختصرا لآرائهم واتجهاتهم ومسمياتهم عن علم البديع والمعاني والبيان بإيجاز وتوضيح يوصل المعنى إلى قاريء البحث الكريم لعله يتطلع إلى مزيد من الاطلاع في كتب العلماء الذين ذكرناهم . ==================================== 1-التسميط: أن يجعل المتكلم بعض مقاطع الأجزاء أو كلها في الكلام على سجعٍ يخالف قافية البيت أو قرينة النثر ، وزاد ابن أبي الإصبع نوع عبارة عن ( تسجيع جميع أجزاء التفعيل على رويٍّ واحد يخالف روي القافية . والمثال نحو : وأسمرَ مُثْمِرٍ بِزَهْرٍ نَضِرٍ == من مثمرٍ مسْفِرٍ عن منظرٍ حَسَنِ / 2- المماثلة : هي تماثُل ألفاظ الكلام أو بعضها في الوزن دون القافية أو بها عن غير قصد مثل : ه همَها الوحشِ إلا أن هاتا أوانسٌ == قفا الخط إلا أن تلك زوابلٌ ونحو قول الشاعر : مَنْ ذا يُطاوِلُهُ أم مِنْ يماجده = أم من يساجله أم من يكاثره . 3-التجزئة : هي تقطيغٌ متوازنٌ كالتلحين المنسجم يعني تجزئة البيت جميعه أجزاء عروضية مسجعة كلها على رويين مختلفين جزءًبجزءٍ إلى آخر البيت الأول من الجزئين على رويٍّ مخالف لروي البيت والثاني موافق لرويه ؛ نحو قول الشاعر : فنحنُ في جزَلٍ والرومُ في وَجَلٍ == والبر في شُغلٍ والبحر في خجلِ 4- الترصيع : أن يقسم الشاعر أو الكاتب عبارته إلى أقسام منفصلة ثم يجعل كل لفظ منها في مقابل لفظ آخر يتفق معه في الوزن وحرف الرويّ؛ مثل قول القائل : فمكارمٌ أوليتها متبرعًا == وجرائمٌ ألفيتها متورعا ، وقول الآخر : لم نزل نحن في سداد ثغور ==واصطلام الأبطال من وسط لام واقتحام الأهوال من وقت حامواقتسام الأموال من وقت سام . 5- التصريع : هو أن يكون مقطع المصراع الأول من البيت مثل قافيته ... نحو قول الشاعر : أفاطِمُ مهْلاً بعضَ هذا التدلل == وإن كنت قد أزمعت هجوا فأجملي . 6- التشطير : عرفه صاحبه أبو هلال العسكري ( أن يتوازن المصراعان والجزءان ، وتتعادل أقسامهما مع قيام كل واحد منهما بنفسه واستغنائه عن صاحبه مثل قول الشاعر : تدبير معتصمٍ باللهِ منتقمٍ == للهِ مرتَعِبِ في الله مرتقب . التجنيس أو الجناس : بأنواعه ( التام والناقص والمضبوط نحويا ) كقول الحكيم :يامغرور أمسِكْ ، وقِسْ يومكَ يأمسك ، ومنه قول الشاعر : عضَّنا الدهرُ بنابهِ == ليت ما حلَّ بنا به ***كلُّ منْ مال إليه *** خاملٌ ليس بنابهِ 7- الطباق : أو التقابل والمقابلة : يعني نضاد المعنيين ؛ نحو قول الشاعر :فلا الجود يفني المال والجِدُ مقبلٌ == ولا البخلُ يبقي المال والجدُّ مدبر. 8-رد الأعجاز على الصدور :ذكره ابن المعتز ، والعسكري ، وابن رشيق ، والرازي ، وابن الأثير ، وابن أبي الإصبع: نحو قول الله تعالى في الآية الثالثو من سورة المدثر / و(رَبَّكَ فكَبِّرْ )؛ فالمعتى لرد الأعجاز على الصدور هو أنه لو فرقت بين حروف العبارة لقرأتها من اليمين كما تقرأها من اليسار . ر ب ك ف ك ب ر . 9- الإيحاء الجميل : نحو قول الشاعر في المدح : منذا يغير على الأسود بغابها == أو من يعوم بحومة التمساح؟ 10- الاتباع والاتباع: كقول الشاعر : صفة الطلول بلاغة القدم == فاجعل قريضكَ لابتة الكرم *** تصف الطلول على السماع بها ==أقدُّ العيان كأنت في الحكم ؟*** وإذا وصفت الشيءَ متَّبِعًا == لم تخل من غلطٍ ومن وهم ====================================================== تم البحث بحمد الله وفيه مصادره المذكورة والمصورة بأسماء مؤلفيها بعد ما بذلته من جهد متواضع بغضل الله في جمع المعلومة باختصار غير مخل ولا توسع ممل نأمل أن أكون قد أفدت به إن شاء الله الدارسين والكتَّاب والأدباء والشعراء من محبي بلاغة لغة القرآن الكريم العربية الخالدة والمتطورة إلى الرقي والرفعة بإذن الله وصلى الله على سيدما محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

تصريف الأفعال في اللغة الفارسية

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )