بحث لغوي في معنى البلاغة قديما وحديثا

بالدراسة التخصصية والبحث العلمي الغائد إلى مصادر سمعية ومكتبية موثقة ، حاولت التوصل إلى معنى وأقسام وأفوال علماء اللغة العربية قديما وحديثا عن معاهيم ومقاصد علم البلاغة منذ نشأتها في كلام العرب الفصحاء وكيف تطورت ؛ فخرجت من هذا بالبحث المتواضع الذي أرجو أن يكون مفيدا للدارسين من الطلاب والمعلمين ومحبي اللغة العربية وفرع الجمال فيها وهو علم البلاغة : أدرك القدماء إشارات عديدة ترمي بإيحاءات قوية إلى فصاحة العرب وبيانهم القوي عن مدلولات الكلام الجميل التي تتصف به أساليب أهل الفصاحة ، ولا زال إلى اليوم تعريف البلاغة قاللا للتحديد ؛ وبهدا قال المحدثون من علماء البلاغة المتخصصين :( تحديد القدماء ليس جامعا مانعا في فروع البلاغة العربية ) ، وانتهى المحدثون إلى أن آخر ما وصل إلينا من تعريفاتها : أنها مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته . وفسموا عناصرها إلى أربعة وهي : الصورة ، والفكرة ، والعاطفة ، والخيال .وأن هذه العناصر تأتي في تفريعات علوم البلاغة وهي :
وفد استعمل الجاحظ من القدماء في كتابه البيان والتبيين كلمات الفصاحة ، والبيان ، والبلاغة بمعنى واحد ، وقال إنها مترادفات ؛ وأورد الجاحظ أن تعريف إبراهيم بن محمد يتلخص في أن البلاغة هي : حُسْنُ التَّأدِيَة ؛ بحيث لا يفبن السَّامع وإذا دققنا النظر في هذا التعريف وجدناه يشمل عنصرين فقط من عناصر البلاغة وهما : ( الصورة والفكرة ) ثم لخص الجاحظ آراء قدامى العرب حول معنى البلاغة : في معنى واحد هو : ( الإيجاز ) حيث كان رأي نقاد الأدب للأسلوب في آخر نقاطهم التي عددوها هي : ضعف التأليف / وأشاروا أن الاتجاه العام لتفضيل الإيجاز ولكن علماء البلاغة قالوا : البلاغة تأخذ من هذا وذاك ولكل مقام مقال .
وكان من جهود العلماء قبل ابن أبي الإصبع في البديع أنهم وجدوا في الأدب العربي القديم أساليب التدبيج والتنميق عند الشعراء أمثال زهير بن أبي سلمى ، والنابغة الذبياني ، بسليقة عربية أصيلة غير متكلفة دون علم بالمصطلحات البلاغية الحديثة ، وظل أهر الاختلاف حول تأصيل المفاهيم الثابتة لفروع علم البلاغة الثلاثة ( البديع والبيان والمعاني ) قائم حتى سقوط الدولة الأموية ، ثم اختلاط العرب بالفرس وامتزاج الثقافتين العربية والفارسية ، ثم نشأت الحزبية التي أدت إلى اجنهاد الشعراء والأدباء للإتيان بالرائع من الألوان البديعية في الأساليب . وأخذت الألوان البديعية تزداد بمرور الزمن لكثرة عطاء الخلفاء والأمراء وانتشار الحزبية وطبيعة العربي في المنافسة اللغوية العربية ، وفي القرن الثاني والثالث الهجري انقسم الشعراء قسمين : أ) محفاظين على القديم ....ب) ومجددين مبتدعين . واختلف النقاد في إمام علم البديع فقيل : هو بشار ، وقيل : هو أبو تمام ، وقيل : هو أبو مسلم الخراساني ، وكان متناثرا غير محدود لا مسمى له بل هو صورة جميلة فقط.
ثم جاء الخليل بن أحمد ستة 170 هجرية فتكلم عن معنى المطابفة ونقلها عنه ابن رشيق ، وكان تعريفه قريب من تعريف العلناء لها بعد ذلك حدثيا ، وعَّرَّفَ التجنيس ، ومفاه عنه الحاتمي وابن رشيق ، وجاء يعده : سيبويه سنة 180 هجرية وتكلم عن المجاز والتشبيه وقُصِّلَ فيهما بعده، . وتكلم عن الكناية والرجوع والالتفات أبو عبيدة ستة 209 هجرية ، وخلفه الأصمعيُّ سنة 216 هجرية تكلم عن المطابقة مخالفا لتعريف الخليل بن أحمد لها وتكلم عن معنى الالتفات وهو مسبوق إليه من أبي عبيدة ، وكان الجاحظ بعدهما سنة 252 هجرية ، تكلم عن حُسْنِ الابتداء وحسن المقطع والخاتمة والتشبيه ، وكان تعريفا غير جامع ولا مانع فيدخل فيه المجاز ، وتكلم عن الاستعارة والسجع والكناية والاذدواج والإيجاز وجدد في بعض الاستشهادات والتقسيمات وكان يقصد الكشف عن صفات الكلام وبلاغته ، وتكلم عن الاحتراس وحسن التقسيم وجعل آلة البلاغة لكل مقام مقال وتكلم عن المساواة والإطناب ،وكل هؤلاء لم يجمعوا ما جاء في البلاغة الحديثة ببيانها وبديعها ومعانيها ، ولم يعقِدُوا فصولا خصوصية لهذه الألوان البلاغية ، وكان كلامهم عرضا لأراء وأفكار أدبية سريعة ينفصها العمق والتوجيه .
وهو أول فرع من علوم البلاغة ويقصد به : معرفةُ طرقِ تحسين الكلام مع مطابقته لمقتضى الحال وينقسم إلى قسمين : مُحَسِّن لفظي ؛يعتمد على الألفاظ كالسجع والجناس ، ومحسن معنويّ ؛ نحو الطباق والمطابقة والتورية
وللبحث بقية نطرحها في مساهمة قادمة بإذن الله

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

البلاغة والمجاز

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )